سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم منها شيئا ، وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد ، فقال له : نحن لسنا أعظم علمائها وإنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أرباب الدولة والحكام ، وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفراض والمواريث كعلم الحساب والغيار فقال له : وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هو من شروط صحة العبادة كالعلم بدخول الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلك فقال : نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل. والأمور العطاردية ، وأهل الأزهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء وأخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك ، فقال : وأين البعض ، فقال : موجودون في بيوتهم يسعى إليهم ، ثم أخبره عن الشيخ الوالد «يقصد أباه الشيخ حسن الجبرتي» وعرفه عنه وأطنب في ذكره ، فقال التمس منكم إرساله عندي ، فقال يا مولانا إنه عظيم القدر وليس هو تحت أمري فقال : وكيف الطريق إلى حضوره؟ قال : تكتبون له ارسالية مع بعض خواصكم فلا يسعه الامتناع ففعل ذلك ، وطلع إليه ولبى دعوته وسر برؤياه واغتبط به كثيرا وكان يتردد عليه يومين في الجمعة وهما السبت والأربعاء ، وأدرك منه مأموله وواصله بالبر والإكرام الزائد».
ثم يقول الجبرتي بعد ذلك «وكان المرحوم الشيخ الشبراوي كلما تلاقى مع المرحوم الوالد يقول له : سترك الله كما سترتنا عند هذا الباشا فإنه لو لا وجودك كنا جميعا عنده حمير».
هذه هي القصة الواقعية التي يرويها الجبرتي عن مصر في منتصف القرن الثامن عشر ، فمصر آنذاك لم يكن فيها سوى عالم واحد استطاع