فالأزهر كان ذروة تألق حضارة بدأت رحلة الانهيار .. أما «أوكسفورد» ، فكانت بداية حضارة جديدة في طريق النمو والازدهار .. فنمت الجامعات مع المجتمع النامي من حولها.
عند ما بني الأزهر كانت الحضارة العربية قد امتلكت كل أسس المعرفة اللازمة لانطلاق الثورة الصناعية ، لو لا أن هب على العالم الإسلامي اعصاران .. الحروب الصليبية ، ثم الخراب المغولي .. فتحول المجتمع المدني المتحضر ، إلى مجتمع عسكري خشن .. وتراجع العلماء ليحكم العسكر .. وحشدت موارد البلاد واستنزفت في القتال .. وأحرقت المدن والمزارع وكل آثار الحضارة على يد الفاتح المتقدم ، أو المنهزم المنسحب ..
وانتقلت شعلة الحضارة من الشرق المغزو ، إلى الغرب الغازي وهناك افرخت ونمت ، وتطورت إلى الحضارة الحديثة ..
وكان الثمن فادحا :
تخلفت مسيرة الحضارة العالمية ، حوالي خمسة قرون ، قضتها أوروبا في النقل الحذر المستريب للعلوم الإسلامية مع حصر المعرفة بها في دوائر خاصة .. ثم التوسع في الترجمة والدرس والفهم والتمثل وأخيرا التطور .. ولو استمرت شعلة الحضارة في النمو على شواطئنا ، لما كانت هناك هذه الفجوة ..
كذلك اقترن النمو الحضاري الجديد بالاستعمار ، ولو مضت حضارتنا في نموها لما كانت البشرية قد عرفت الاستعمار ، ولا كان التخلف قد فرض على ثلاثة أرباع شعوب العالم ، من أجل تقدم ورفاهية الربع .. فحضارتنا لم تعرف الاستعمار ، بل قامت مراكز المدنية والرفاهية في كل البلدان ، وعلى قدم المساواة ، ووفق إمكانات كل بلد ، ولعل أقلها حظا كانت الجزيرة ، بلاد الفاتحين ..