يجتمع مع الأصوات الأخرى ، فإذا الأزهر كله خلية نحل لا تكف عن الهمهمة ، بل ما يشبه الضجيج .. وكان كلاهما يحول بيني وبين أن يأخذني النوم الذي كان يطاردني إذا آثرت أن أبقى في البيت.
وفرغت من دراستي الثانوية ، والتحقت بكلية الحقوق ، وعمي يرعاني ، وصلتي بالأزهر لا تنقطع ، أغشاه لكي أقرأ وأدرس ، وأغشاه لكي أجلس إلى زملاء عمي من طلاب الأزهر ، وأنصت أحيانا إلى ما يقرأون فلا أفهم شيئا أيضا على الرغم من أنني حينئذ كنت قد بلغت من الفهم والدرس ما أفضي بي إلى الدراسة الجامعية ..
* * *
ومرت الأيام وتخرجت ، وافترقت الحظوظ بيني وبين من عرفت من طلاب الأزهر ، ولكن صورة الأزهر ظلت خيالا يلازمني طوال حياتي ، وقرأت ما قرأت ووعيت ما وعيت وأدركت من تاريخ الأزهر الكثير ، واقترنت القراءة عنه بالصورة التي كابدتها وعرفتها وثبتت في خيالي
وكنت أزوره بين الوقت والآخر ، صحيح أن الفترات بين زياراتي كانت متباعدة ، ولكنني كنت أزوره لكي تظل صورة هذا المسجد العتيق العريق الأمين حية في خاطري وقد اقترنت في حياتي بمطلع صباي ، وقرأت تاريخه منعما متأملا ، وقارنت بين مراحل تاريخه والمرحلة التي كان يعيش فيها ، فوجدت الفرق الكبير بين الصورتين .. كان الأزهر فيما مضى ومنذ إنشائه إلى تاريخه الوسيط منارة العلوم الدينية والدنيوية ، كان ينبوع المعرفة في الطب والفلك والهندسة والكيمياء والجغرافيا إلى جانب المعرفة في علوم الدين. كان يقدم للوطن والإسلام خلاصة الرجال الذين رفعوا ذكره ورفعوا عنه العدوان .. كان المنارة التي تشع المعرفة بكل أنواعها في العالم الإسلامي والعالم العربي. ثم شاءت ظروف الحكم والسياسة وقهر الشعب أن ترد الأزهر بعض الشيء عن المشاركة الفعلية في حياة البلاد ، فقصرته