تقنعنا نظرة عجلى إلى تاريخ أوروبا بكل ذلك فقد تناست ممالكها في تنازعها كل المثل العليا التي جاء بها دينها وهي لا تزال تتناساها إلى اليوم في نزاعها مع القارات الأخرى.
وقد كفل الإسلام الحرية بما رفع من مقام الإنسان والنظام بما أتى من أحكام الشرع وجعل طاعة الله ورسوله وأولى الأمر واجبات نقوم بها ونحن راضون ، وبذل النصح لأولي الأمر بأن يترفقوا بالناس ، ثم أنه قد جعل الناس كلهم إخوة فكان خير الناس عند الله أتقاهم فضمن بذلك حق العامة أمام الخاصة ، كل هذا أتى به الإسلام ونزله مبادىء دستورية يستطيع الفقهاء أن يلائموا بينها في بيئاتهم وبذلك كفل للإنسان أن يتقدم دائما. ولسنا نرى تقدما أرشد من هذا الذي يقوم على مثل المبادىء ، على أن التوفيق بينها أجمعين كان دائما أس التقدم عند دول الإسلام. يقول النفسيون : إن الإنسان لا يبلغ حدا من الكمال إلا إذا وازن بين القوى والملكات التي يكسبها ، وقد ذهب الى ذلك أفلاطون وقال مثل ذلك قوم آخرون قبل أن يدرس علم النفس ، لكن التوازن بين قوى الإنسان وملكاته أصبح حقيقة علمية في العصر الحديث وينشأ كثير من أنواع الجنون إذا اختل هذا التوازن بل نحسب أن الانسجام محبب إلى النفس من الوجهة الجمالية وقد حاول كثير من الفلاسفة ـ وقد كانوا موفقين ـ أن يبحثوا في مثل هذا التوازن في المجتمع ويحدث جنون الفرد إذا هو أفرط في الأخذ بفكرة من الأفكار أو خيال من الخيالات وكذلك يحدث جنون الجماعة إذا هي أخذت بمبدأ واحد تمادت فيه ـ مهما كان هذا المبدأ سليما ، وما نظن إلا أن الإسلام كفيل بأن يؤلف بين كل تلك المبادىء فيرسل الانسجام فيها إرسالا.
ثم خلص من تلك الى أن رسالة الأزهر هي نشر رسالة التقدم الروحي والفكري والاجتماعي في البلاد الإسلامية.