يتمثل في خلقهم وإرشادهم تلك القوى الحية التي نماها الإسلام وقواها فإن نحن أردنا أن نضرب بسهم في سبيل التقدم وجب علينا أن نرجع إلى أصول الإسلام الأولى فنحي تراثه وتلك الرجعة إلى ديننا الحنيف هي من رسالة الأزهر لحمتها وسداها ، وجدير بالأزهر إذا أراد إحياء لذلك المجد الأثيل أن يعود سيرته الأولى من حيث الكفاح والزعامة وأن تتمثل فيه كل المثل العليا التي بسطنا القليل منها فيما تقدم ، وبذلك يستطيع أن يلهم الناس دينهم خالصا نقيا ، بل خليق به بعد ذلك ـ إذا أراد أن يكون في الرأس ـ أن يتصل أتصالا وثيقا بالحركات الاجتماعية التي تدب بين المصريين وقد بينا كيف كانت رسالة الأزهر دائما مزدوجة ، فهي دينية من ناحية واجتماعية من ناحية أخرى ذلك بأن الإسلام كما أسلفنا دين يجمع بين العقائد والشرائع يسعى لخير الجماعة في شتى الصور ويؤلف بين خلق الفرد خاصة وبين الأمة بوجه عام ، لقد كان اهتمام الأزهر بالحركات الاجتماعية في مصر وحد به عليها أساسا لزعامته التي ظل الجميع يعترفون بها حتى أواخر القرن التاسع عشر وفي اليوم الذي يعتزل الأزهر فيه الحياة العامة يضحي من سلطانه الذي كفله الدين نفسه والذي عنا له المصريون خلال الأحداث التي اكتظ بها تاريخهم الطويل الحافل ، ويعتزل الأزهر الحياة العامة إذا هو اطمأن إلى القيود التي تعوق التقدم فإن ذلك لا يتفق مع روح الإسلام نفسه ومصر ـ ككل جزء من أجزاء الأرض ـ ما زالت تنشد الإيمان والخير والحرية لكل المصريين إذ يتشبثون بتلك المبادىء يتلفتون ذات اليمين وذات اليسار يريدون أن يجدوا ملجأ فيطمئنوا إليه ويعتصموا به.
فجدير بالأزهر إذا أن يساهم في كل نواحي الحياة المصرية وأن يكون ـ كما كان في القرن التاسع عشر ـ قوة دافعة تستمد من قوة الدين والحق ، إن زعامة الأزهر لنواحي النشاط في مصر سوف تنتج خيرا شاملا ، ذلك لأن التقدم المادي ينتهي دائما بكفاح يخلو من المثل الأعلى ، وكل كفاح يخلو من المثل الأعلى يؤدي حتما إلى الفناء كالنار تأكل نفسها ، وقد