ما تحرمه الشرائع والقوانين ، ولم يكن الإمام المصري في ردوده إلا مدافعا عن أصول الإسلام الأولى يلحق البينة بالبينة يميز بين ما هو من صلب الدين وبين ما هو دخيل على الدين على أن ذلك الكفاح الذي تولاه الأستاذ الإمام والذي خلق بعد ذلك مدرسة بأسرها من مدارس الفكر لم يزل حتى أصاب ساعدا قويا في أفراد من المتخرجين في الأزهر ثاروا على حكومة الدخلاء ، واتصلوا بالجيش آملين أن يحققوا بعض مثلهم العليا ، فكانت الثورة التي اتصلت باسم عرابي باشا ، وقد نجح التفكير الأزهري في هذه المرة إلى ثورة عسكرية لم تكن موفقة لأنها لم تكن من طبيعة الأزهر ، وعرابي نفسه كان أزهريا لكنه لم يكن بالأزهري الرشيد ، وقد جمعت هذه الثورة العسكرية إلى العناصر الواهية التي أنهكتها كثيرا من العناصر السامية التي خلقت في مصر أثرا بليغا ، وكانت على الرغم مما انتابها من وهن نهضة قومية ما زالت تنمو حتى كانت شاملة بعد الحرب الكبرى ، ولسنا ننسى أن الأزهر كان محطا لركاب هذه النهضة ، فالأزهر كان مركزا للزعامة في أوائل القرن التاسع عشر وقد ظل مصدر للزعماء حتى بداية القرن العشرين ، وقد ظهرت قوة الأزهر في الحالات التي احتكت بها مصر بالدخلاء الأجانب ، ظهرت تلك القوة أمام الفرنسيين بزعامة السيد عمر مكرم ، ثم انتظمت في جسم الأمة حتى وضحت مرة أخرى بزعامة الشيخ محمد عبده ، وكانت موجهة في هذه المرة إلى الذين بسطوا أقلامهم في الدين من الفلاسفة والمؤرخين الأجانب ، ثم كان لها بعد ذلك وجه قومي بدأ بقيادة عرابي وانتهى سلميا بزعامة سعد زغلول ، وقد حاولت الحركة الأولى أن تتخلص من دخلاء الشركس ، وحاولت الثانية أن تستقل عن كل أجنبي :
لقد رأينا كيف كان الأزهر مصدرا للزعامة والكفاح ، وقد رأينا كيف استعان الفكر المصري في كفاحه السياسي والديني والاجتماعي بسلطان الأزهر فقضى على المبادىء الخربة التي تربصت بالشرق الدوائر ، وقد تزعم شيوخ الأزهر المصريين لأن هؤلاء كانوا يستوحونهم الشعور الديني وكان