معهد ديني كانت رسالته دائما رسالة الإسلام ، وكانت لشيوخه الزعامة الفكرية في القديم ، حتى أن بونابرت لما دخل مصر ووجد للأزهر الزعامة الدينية والاجتماعية والسياسية تقرب إلى شيوخه ، وجعل أعضاء «الديوان» الذي أنشأه منه ، وهذا اعتراف بسلطان الأزهر على الشعب.
ووسط الزوابع السياسية التي تلت عصر نابليون وسبقت ولاية محمد علي قام الأزهريون يثبتون حق الشعب ويؤيدون ما يذهبون إليه بنصوص من الدين الحنيف ، ولقد كان للسيد عمر مكرم نقيب الأشراف حينئذ المكانة الأولى بين ممثلي الشعب ، وكان الشعب غاضبا على خورشيد باشا راغبا في تولية محمد علي ، وفي تاريخ الجبرتي نقاش بين السيد عمر مكرم وبين عمر بك أحد أنصار خورشيد ، فقد كان عمر يذكره بالآية الكريمة (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فلم يكن من السيد عمر إلا أن قال : «أولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل» ، ألسنا نحس في ذلك الرد وحده تلك القوة الوليدة التي شعر بها زعماء الأزهر وألسنا نستطيع أن ندرك دهاء محمد علي حينما اجتذب الشيوخ إلى جانبه فتغلب على القوى التي كانت تنافسه؟ وسلطان هؤلاء الأزهريين هو الذي ظاهره على المماليك وهو الذي أرغم الخليفة على أن يعترف بولايته ، كانت هذه إذن سابقة للأزهر أعلنت من مكانه فظل زعيما للجماعة المصرية بعد ذلك. وما برح الأزهر يساير الحركة الفكرية في مصر حتى تمخض في أواخر القرن التاسع عشر عن حركة شاملة من حركات الإصلاح توجهت ضد العناصر الدخيلة التي مشت بالسوء في أمم الشرق ، وقد رفع هذه الحركة جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ، ولعل خير ما يذكر من أيادي الاستاذ الإمام أنه خرج الى فلاسفة الغرب يرد الحجة بالحجة ويقرع البرهان بالبرهان ، ولم يكن الجدل الذي نشب بينه وبين هانوتو إلا ناحية من الصراع الفكري بين الشرق والغرب ، وكان المؤرخ الفرنسي يفتعل الذرائع والمسوغات التي تحلل ما اقترفته السياسة المادية التي استحلت لنفسها كل