والشرق العربي كتاب قبله في النواحي التاريخية لمدارس العربية ورجالها ومؤلفاتها في القديم والحديث ..
وقد كتب الأستاذ فصول كتابه بلغة جمعت بين بلاغة الآداء وجمال الأسلوب وجزالة التراكيب ، والنقد التحليلي التاريخي لأطوار علم العربية ومذاهبه ومدارسه ورجالاته ، وفي الكتاب فصول عظيمة الأهمية في أسباب تدوين القواعد العربية ، وعن الرجل الذي ذهب بشرف وضعها وتدوينها ، وعن نشأة النحو وأطواره في مراحله المختلفة ، وعن حياة شيخ العربية الأول أبي الأسود الدؤلي ، وعن مدرسة النحو الأولى بالبصرة ، ورجالها ، ومدرسة الكوفة التي نشأت بعد ذلك ورجالها ، ويبين المؤلف نزعات مذهبي النحو بالبصرة والكوفة ، والمناظرات التي قامت بين رجالهما ، ويحلل أسباب الخلاف بين مدرسة البصرة والكوفة ، والبواعث التي دعت إلى نسوء كل مدرسة واستقلالها ، والعناصر التي بنيت عليها ، والاتجاهات التي اتجهت إليها والمسائل العلمية التي اختلفت فيها ، وآثار هذا الخلاف العلمي ، ويعقد الموازنات بينهما .. ثم يتكلم عن مدارس النحو التي قامت ببغداد وفارس ومصر والشام والأندلس ، ومنهج كل مدرسة وعلمائها وآثارها .. كل هذا في أسلوب قوي دقيق وبحث علمي عميق.
والكتاب وهو يعرض علينا النحو من أول نشأته إلى العصر الحديث يمتاز عن كتب الطبقات القديمة بسعة البحث وكثرة التفصيل ، ودراسة مدارس النحو القديمة دراسة مستفيضة ، ويمتاز عن كتب المستشرقين بنفوذ مؤلفه إلى أعماق العربية وأسرارها ووقوفه على أطوارها».
ولم يكن كتاب «نشأة النحو» هو الصلة الفكرية بيننا وبين الشيخ ، ولكنه كثيرا ما جلسنا في دروسه ومحاضراته في كلية اللغة معجبين نتلقف طرائفه ، ويسحرنا بشمائله وتواضعه وعلمه ، بل كان لي كذلك حظ التلمذة عليه منذ أكثر من ربع قرن ، وكان يدرس لنا علوم البلاغة في الفرقة الثالثة