ومغاربها نورا ، حتى يطمئن العقل الحائر ، ويسعد العالم الشقي ، وتنعم الإنسانية المعذبة ، وتسود كلمة الحق والخير والفضيلة ، وتعود الحياة سيرتها الأولى. ولم لا يستصغر المشقات في جانب روح الأبد ، وراحة الضمير ... لا يأس في الدعوة ، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، ولا ونى في الهداية ، فإنه لا يبني في ميدان الجهاد إلا من لبس إيمانه بظلم ، ولا عمل إلا لله ورسوله ، فإن أجدر عمل بالظفر والسداد ما كانت غايته الله ورسوله. فإما أن يحيى للدعوة مجاهدا لإظهار كلمة الله ، وإما أن يموت في ميدانها شهيدا.
أين الأزهري الذي يدعو الناس بخلقه وأدبه وطريقته ، إلى ما يدعوهم إليه بقوله وبيانه وحجته؟ .. وهل تكون العظة ذات أثر إلا إذا صدرت من مؤمن عامل بها ، وممن يأمر بالمعروف ولا ينسى نفسه؟ فما أفحم الداعي إلى مكرمة لم يندب نفسه لها وإن كان بليغا منطقيا. على الأزهري أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة ، والآية المبصرة ... يأخذ الناس على حسب عقولهم ، ويكلمهم بما يؤثر في نفوسهم ويعرض عليه نواحي الجمال في العقيدة الإسلامية ، ويبين لهم ما فيها من دعوة إلى الحق والخير والجمال والعدالة ، ومن إعزاز للنفس الإنسانية وسمو بها ، وتكريم لقدر الإنسان في الحياة ، وما فيها من ألوان الإصلاح في السياسة والاجتماع والاقتصاد والعلم والعمران ، ومن سماحة في المبادىء وسهولة في التشريع ، ويسر في الشعائر ، وما فيها من ديمقراطية عالية ، وروحية سامية ، وإخاء كريم وعدالة ومساواة وإيثار ضربت بها الأمثال بين الناس. وعليه أن يضرب لهم الأمثال بالأسلاف الأولين ، وما كان لهم من المواقف الرائعة ، والمشاهد الماجدة ، والصفحات الناصعة في كل ميدان ... وأن يفصل لهم المدى الذي بلغته الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي ، وما كان لهما من آثار بعيدة في النهضة الغربية الحديثة. وأن يعاضد رجال الفكر والثقافة والصحافة ، ويتخذهم أصدقاء يساعدونه على أداء رسالته الدينية