فالعلم نفسه تفوق لذته لذة الحصول على الدرجة ، والدخول في مضمار الحياة. كانوا يجيدون تحضير الدروس قبل إلقائها على التلاميذ بقدر ما بسمح به الجهد. وكان الطلبة يجيدون تحضير الدروس وفهمها قبل تلقيها عن الشيوخ بل كان نوابغ الطلبة لا يذهبون إلى تلقي الدروس إلا لحل مشكلة عرضت لهم. أو انتظار لتحقيق مسألة من مسائلها .. كانوا يفعلون هذا مع الطمأنينة واللذة وسعة الصدر ، لا للنجاح في الامتحان ، ولا لطلب الرزق. وكانت القناعة تجمل فقرهم وتزين علمهم ، لا يمكن أن يمر في خاطر أحدهم أن الفقر نقيصة ، وأن الإسراف في البحث مضيعة للوقت.
ولا ننكر مع هذا أن ملازمة بعض المؤلفات المختصرة ، وترك المناهل العذبة من كتب الأسلاف ، وعدم التوسع في الاطلاع على تراث الأقدمين ، ضيق دائرة التفكير ، وأوجد إسرافا في تحليل الألفاظ وإبداء ما تحتمله من الوجوه ، وأوجد انحرافا عن الجادة القويمة في طلب العلم وبحث مسائله وتحقيقها ، وبعدا عن أساليب اللغة العربية الصحية ، وإعراضا عن مسايرة الناس في الحياة وإدراك ما تتطلبه الحياة بل وشغلهم عن القرآن والسنة من ناحية الهداية التي جاء لها القرآن ، إلى نواح أخرى متكلفة. وتلك هي الأدواء التي ألم منها الناس وسعوا لإزالتها.
لكن في الوقت الذي نريد فيه إزالة هذه الأدواء ، لا يصح أن ينسى الأزهري جوهر تقاليده ، بل يجب عليه أن يحافظ عليها ، وأن يصرفها إلى وجوه الخير ، وما يعود على دينه وأمته وملته بالصلاح والفلاح.
حول رسالة الأزهر
في مساء الاثنين ٥ من جمادى الأولى سنة ١٣٧٥ ه (١٩ من ديسمبر ١٩٥٥) عقد في دار المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين مؤتمر