ذكر لي بعض حكمائهم أنه يسمى هفت جوش (٨٦) ، بفتح الهاء وسكون الفاء وتاء معلوة وجيم مضموم وآخره شين معجم ، ومعنى ذلك ، سبعة معادن ، وأنه مؤلّف منها ، وقد جلى من هذا العمود مقدار السبّابة ولذلك المجلوّ منه بريق عظيم ، ولا يؤثر فيه الحديد ، وطوله ثلاثون ذراعا ، وأدرنا به عمامة فكان الذي أحاط بدائرته منها ثماني أذرع.
وعند الباب الشرقي من أبواب المسجد صنمان كبيران جدا من النحاس مطروحان بالأرض ، قد ألصقا بالحجارة ويطأ عليهما كلّ داخل إلى المسجد أو خارج منه (٨٧).
وكان موضع هذا المسجد بذخانة ، وهو بيت الأصنام (٨٨) ، فلما افتتحت جعل مسجدا.
وفي الصحن الشمالي من المسجد الصومعة التي لا نظير لها في بلاد الإسلام ، وهي مبنية بالحجارة الحمر خلافا لحجارة سائر المسجد فإنها بيض ، وحجارة الصومعة منقوشة ، وهي سامية الارتفاع ، وفحلها من الرخام الأبيض الناصع وتفافيحها من الذهب الخالص ، وسعة ممرّها بحيث تصعد فيه الفيلة (٨٩).
حدثني من اثق به أنه رأى الفيل حين بنيت يصعد بالحجارة إلى أعلاها ، وهي من بناء السلطان معز الدين بن ناصر الدين ابن السلطان غياث الدين بلبن (٩٠).
__________________
(٨٦) كلمة هفت جوش (haft gush) ربما تعني أن العمود سباعي الزوايا أو إنه يتألف من سبعة عناصر باعتبار صمودها أمام الصّدى وتقلبات الجو.
(٨٧) ربما تعلق الأمر بتمثال يحتوي على عضو تناسلي لفكرا مديتيا) vikramaditya (حمل من أوجين) uj jain (من لدن إلتمش عام ٦٣١ ـ ١٢٣٤ ، بيد أن هناك تماثيل أخرى هندية كانت تنقل بين الفينة والأخرى لتجعل في مكان يتعرض فيه لمرور المسلمين عليه.
(٨٨) كلمة (بدخانة) مركبة من بودا : إلاه الهنود ، وخانة الفارسية ومعناها البيت فتكون الكلمة : بودا خانة ثم اختصرت ، وبالفارسية : بتخانة من بت : صنم ، وكلمة (بد) تطلق عند العرب كالجاحظ والمسعودي والبيروني والشهرستاني على بودا كما أنها تطلق على الصنم ... انظر القاموس وشرحه ... د. سليم النعيمي : ألفاظ من رحلة ابن بطوطة ، مجلة المجمع العراقي ١٩٧٤.
(٨٩) قطب منار (qutbe minar) الشهير ابتداء تشييده قطب الدين أيبك ، وأنهاه التمش عام ٦٢٦ ـ ١٢٢٩ ، وزاد في علوه أيضا فيروز شاه ٧٥٢ ـ ٧٩٠ ـ ١٣٥١ ـ ١٣٨٨ ، علوه حاليا ٢٣٤ قدم ، صعدتّ يوم ٢٨ ـ ٤ ـ ١٩٧٥ جانبا فيه بيد أن الرفاق حذّروني من الاستمرار في التسلّق نظرا لتداعي البناء ...
(٩٠) يظهر أن هناك التباسا وقع فيه ابن بطوطة أو الذين أخبروه بين معز الدين (قيقباد) الذي حكم دهلي بين عام ٦٨٦ ـ ٦٨٩ ـ ١٢٨٧ ـ ١٢٩٠ الآتي الذكر ، وبين السلطان الغورى معز الدين محمد بن سام الذي وردت الإشادة به في نقوش المنار والمتوفى عام ٦٠٢ ـ ١٢٠٦ ، وقد بنى المنار من لدن قطب الدين على نموذج غوري يوجد في مدينة جام ، وتمم من طرف شمس الدين لالميش (إيلتمش) حوالي عام ١٢٢٩ هذا وقد رمّم المنار أخيرا بين عام ١٨٢٨ ـ ١٨٢٩.