ذكر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك :
حدثني الفقيه الإمام العلامة قاضي القضاة بالهند والسند كمال الدين محمد بن البرهان الغزنوي (١) ، الملقّب بصدر الجهان ، أن مدينة دهلي افتتحت من أيدي الكفار في سنة أربع وثمانين وخمسمائة (٢) ، وقد قرأت أنا ذلك مكتوبا على محراب الجامع الأعظم بها ، وأخبرني أيضا أنها افتتحت على يد الأمير قطب الدين أيبك (٣) ، واسمه بفتح الهمزة وسكون الياء ، آخر الحروف ، وفتح الباء الموحدة ، وكان يلقب سپاه سالار ، ومعناه مقدّم الجيوش ، وهو أحد مماليك السلطان المعظم شهاب الدين محمد بن سام الغوري ، ملك غزنة وخراسان (٤) المتغلب على ملك ابراهيم (٥) بن السلطان الغازي محمود بن سبكتيكين الذي ابتدأ فتح الهند.
وكان السلطان شهاب الدين المذكور بعث الأمير قطب الدين بعسكر عظيم ففتح الله عليه مدينة لاهور (٦) وسكنها وعظم شأنه ، وسعي به إلى السلطان وألقى إليه جلساؤه أنه
__________________
(١) قاضي القضاة لدى المماليك في جيش دهلي وهو الذي كان مصدرا لابن بطوطة في هذه الافادات التي قدمها لنا الرحالة المغربي على ما سنرى.
(٢) إن أقدم نقش في المسجد يرجع لتاريخ ٥٨٧ ـ ١١٩١ وهو الأمر الذي يتفق مع التاريخ الذي تم فيه افتتاح دهلي. هذا ونلاحظ هنا أن أبا القاسم الزياني في كتابه الترجمانة الكبرى ينقل صفحة ٢٤٧ عن ابن بطوطة من غير أن يذكر اسمه بالرغم من أنه التزم أن لا ينقل عن ابن بطوطة اقتناعا منه بأن ما يرويه هذا الرّحالة كذب!! انظر المقدمة في المجلد الأول ...
(٣) قطب الدين أيبك ، كان مملوكا ثم أصبح ضابطا لسلطنة دهلي ٦٠٢ ـ ٦١٠ ، ١٢٠٦ ـ ١٢١٠. وكلمة (سباه سالار) بمعنى القائد العام للجيش ما تزال مستعملة إلى الآن في إيران على ما لا حظته أثناء سفارتي هناك عام ١٩٧٩.
(٤) شهاب الدين سمى نائبا للملك في غزنة عام ٥٦٨ ـ ١١٧٣ من طرف أخيه غياث الدين محمد السلطان الغوري المقيم في هرات ٥٥٨ ـ ٥٩٩ ـ ١١٦٣ ـ ١٢٠٣. وقد باشر فتح شمال الهند ، وبعد وفاة أخيه ورث مجموع الممتلكات الغورية. وعند وفاته هو عام ٦٠٢ ـ ١٢٠٦ تفكّكت أجزاء أمبراطوريته وأصبحت الممتلكات الهندية في يد أيبك. هذا ونعيد إلى الذاكرة أن (الغور) يطلق على المنطقة الجبلية الواقعة إلى الشرق والجنوب الشرقي في هرات وإلى الجنوب من غرچستان وجوزان ... بارثولد ـ تركستان ص ٤٨٩ ـ ٦١٩.
(٥) إبراهيم : سلطان غزنوى ٤٥١ ـ ٤٩٢ ـ ١٠٥٩ ـ ١٠٩٩ كان الحفيد ، والنائب التاسع لمحمد صاحب غزنة ، لقد كانت غزنة فتحت من لدن الغوريين أثناء تملك بهرام ٥١٢ ـ ٥٤٧ ـ ١١١٨ ـ ١١٥٢ وعاش الملوك الغزنيون المتأخرون في لاهور إلى عام ٥٦٢ ـ ١١٨٦.
(٦) لاهور افتتحت من طرف غياث الدين محمد الغوري وانتزعت من يد آخر ملك غزنوي خسرويه مالك عام ٥٨٢ ـ ١١٨٦ لكنها بقيت مع ذلك مقرّ السلطنة في الهند الاسلامية قبل اخذ دهلي. وقد اسعدني الحظ بقضاء بعض الأيام بين معالمها وبين خيار أهلها بمناسبة اجتماع وزراء الخارجية المسلمين ، يناير عام ١٩٨٠ ، في اسلام آباد عاصمة الباكستان ، وتقع جنوب (راول بيندي) وشمال ملتان وهي مليئة بالمخطوطات وكتب التراث وفيها وقفت على نسخة قديمة من الرسالة التي بعثها النبي صلىاللهعليهوسلم إلى هرقل ...