فركب كل واحد منهما في مركب منفردا عن جيوشه والتقيا في وسط النهر فقبّل السّلطان رجل أبيه ، واعتذر له فقال له أبوه : قد وهبتك ملكي ووليتك ، وبايعه وأراد الرجوع لبلاده ، فقال له ابنه : لا بدّ لك من الوصول إلى بلادي فمضى معه إلى دهلي (٣١) ، ودخل القصر وأقعده أبوه على سرير الملك ، ووقف بين يديه وسمّي ذلك اللّقاء الذي كان بينهما بالنّهر لقاء السعدين ، لما كان فيه من حقن الدماء وتواهب الملك والتجافي عن المنازعة ، وأكثرت الشعراء في ذلك ، وعاد ناصر الدين إلى بلاده. فمات بها بعد سنين وترك بها ذرية منهم غياث الدين بها دور (٣٢) الذي أسره السلطان تغلق ، وأطلقه ابنه محمد بعد وفاته ، واستقام الملك لمعز الدين أربعة أعوام بعد ذلك كانت كالأعياد (٣٣). رأيت بعض من أدركها يصف خيراتها ورخص أسعارها وجود معز الدين وكرمه ، وهو الذي بنى الصّومعة بالصحن الشمالي من جامع دهلي ، ولا نظير لها في البلاد.
وحكى لي بعض أهل الهند أن معز الدين كان يكثر النكاح والشرب فاعترته علّة أعجز الأطباء دواؤها ويبس أحد شقّيه ، فقام عليه نائبه جلال الدين فيروز شاه الخلجي (٣٤) ، بفتح الخاء المعجم واللام والجيم.
ذكر السلطان جلال الدين
ولما اعترى السلطان معز الدين ما ذكرناه من يبس أحد شقّيه ، خالف عليه نائبه جلال الدين ما ذكرناه من يبس أحد شيّه خالف عليه نائبه جلال الدين وخرج إلى ظاهر المدينة فوقف على تلّ هنالك بجانب قبّة تعرف بقبة الجيشاني ، فبعث معز الدين الأمراء لقتاله ، فكان كل من يبعثه منهم يبايع جلال الدين ، ويدخل في جملته ، ثم دخل المدينة وحصره في القصر ثلاثة أيام.
وحدّثني من شاهد ذلك أن السلطان معز الدين أصابه الجوع في تلك الأيام ، فلم يجد ما يأكله ، فبعث إليه أحد الشرفاء من جيرانه ما أقام أوده ، ودخل عليه قصر فقتل ، وولى بعده
__________________
(٣١) قصة تذكر في عدد من نظائرها مع الفارق ، مثلا أبو الحسن المريني مع ابنه أبي عنان عندما رضي الوالد عن ولده وكتب له بولاية عهده ـ الزركشي : تاريخ الدولتين ـ ص : ٩٠.
(٣٢) تملك تحت اسم ناصر تحت اسم شاه بوغره ، وكان مستقلا إلى غاية ٦٩٠ ـ ١٢٩١ وقد خلّفه أولاده.
غياث الدين بها دور الذي سنقرأ تاريخه فيما بعد ، iii ٢١٠ ـ ٢١٦ الخ.
(٣٣) يتحدث المؤرخون عن الانغماس في الملذّات والإسراف في الانفاق ...
(٣٤) جلال الدين فيروز ينتسب لقبيلة الخلج ، من أصل تركي ، بيد أنه أقام كثيرا بأفغانستان في غزنة بالذات فأمسى ـ نتيجة لذلك ـ يشعر بأنه أفغاني ، ولهذا فإن وصول جلال الدين للحكم لم ينظر اليه كشيء جميل لا من جانب الأرستقراطية التركية ولا من جانب سكان دهلي.