ذكر أولية التّتر وتخريبهم بخارى وسواها.
كان تنكيز خان (٣٣) حدّاد بأرض الخطا (٣٤) ، وكان له كرم نفس وقوة وبسطة في الجسم ، وكان يجمع الناس ويطعمهم ، ثم صارت له جماعة فقدموه على أنفسهم ، وغلب على بلده وقوي واشتدت شوكته واستفحل أمره فغلب على ملك الخطا ، ثم على ملك الصين ، وعظمت جيوشه وتغلب على بلاد الختن وكاشخر والمالق.
وكان (٣٥) جلال الدين سنجر بن خوارزم شاه ملك خوارزم وخراسان وما وراء النهر (٣٦) له قوة عظيمة وشوكة ، فهابه تنكيز وأحجم عنه ولم يتعرض له فاتّفق أن بعث تنكيز تجارا بأمتعة الصين والخطا من الثياب الحريرية وسواها إلى بلدة أطرار (٣٧) ، بضم الهمزة ، وهي
__________________
(٣٣) كان جنكيز ابنا لأحد رؤساء عشيرة ، وقد كان أحد أجداد أبيه رئيسا لأول كونفيدرالية مغولية ، والأسطورة التي تقول : إنه كان حدادا توجد أيضا عند گيوم دوروبروك (g.de ruibrouk) الذي زارقراقوروم عاصمة المغول عام ٦٥٢ ـ ١٢٥٤ ، وربّما كان الاصل في هذا اللقب آتيا من اسمه الاول تيمودجين تامور (tamur) تيمور (rumit) rimed : (حديد) ، أو آتيا من الأسطورة التركية القديمة التي يرددها المغول : إيرجان كون (ergenekon) حيث توجد العشيرة التي كانت محاصرة في إقليم مطوق ، واستطاعت أن تخرج بفضل حداد عمل على إذابة جبل من حديد ... هذه الاسطورة التي ترمز للانتشار المغولي في المنطقة لا تعني بأية حال لقب احتقار بأصل جنكيز كما يبدوا من سياق تعبير ابن بطوطة! الامر الذي يفسر كيف أن ديليام دو روبروك استطاع أن يلتقط الأسطورة في قراقورم منذ فترة سابقة لزيارة ابن بطوطة. هذا وقد ذكّرني تقديم ابن بطوطة تحقيقه عن تاريخ ظهور جنكز خان فيما أقدم عليه ابن خلدون بدوره في رسالته إلى العاهل المريني التي قدم فيها نبذة عن تاريخ التتر وذلك في اعقاب اجتماع بالشام مع تيمور لنك. ـ د. التازي التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٧ ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣. جامع التواريخ لرشيد الدّين فضل الله الهمداني ـ مصدر سابق.
(٣٤) الخطا اسم أعطى لشمال الصين أو شمال غربها كما سياتي حيث كونت لها مملكة مستقلة تحت سيادة خطان أو دولة لياوو (liao) وهو يستمد أصله من (الخطان) الذين اسسوا هناك دولة من عام ٢٩٤ ـ ٥١٦ (٩٠٧ ـ ١١٢٢).
(٣٥) فتح الصين الذي ابتدئ منذ سنة ٦٠٦ ـ ١٢٠٩ انتهى عام ٦٧٨ ـ ١٢٧٩ ـ الختن وكاشخر يوجدان معا في اقليم سينكيانج (sinkiang) ، والمالق يوجد في سيميرتشي (semiryechye) ، والكلّ فتح حوالي عام ٦١٢ ـ ١٢١٥.
(٣٦) لقد حكم آل خوارزم شاه في هذه المنطقة منذ نهاية القرن الثاني عشر إلى وصول المغول ، ابن بطوطة هنا يخلط بين محمد خوارزم شاه الملقب بسنجر ٥٩٦ ـ ٦١٧ ـ (١٢٠٠ ـ ١٢٢٠) الذي يرجع للفترة التي وقعت فيها حادثة أطرار التي ستحكى بعد هذا ، وبين ابنه جلال الدين الذي أصبح شخصيّة أسطورية وهو الذي قاوم المغول من الهند إلى الاناضول طوال عشر سنوات من ٦١٨ ـ إلى ٦٢٨ ـ (١٢٢١ ـ ١٢٣١). انظر تاريخ ابن الأثير الجزري وتاريخ ابن واصل ...
(٣٧) تقع أطرار (يرسمها ترجمان بارتولد (أترار) في سيحون (jaxartes) أو سيرداريا (sir darya) على بعد ١٠٠ ميل شمال طشقند ، وقد قام جلال الدّين بتكبيد المغول هزيمة منكرة في باروان (parwan) شمال كابل بيد أنه حوصر من لدن جنكيز خان واستطاع أن ينجو بحياته عندما عبر نهر السند. انظر بارتولد : تركستان ففيه الحديث مفصّلا عن هذه الموقعة ص ٦٢٢ ، وهو أي بارتولد يذكر ابن بطوطة كمرجع هام لهذه الأحداث في عدد من الصفحات.