عادوا إلى القصر ثمّ رجعوا إلى الوزير ثمّ عادوا إلى القصر ونحن وقوف ثمّ أمرنا بالجلوس في سقيف هنالك ، ثمّ أتوا بالطعام واتو بقلال من الذهب يسمّونها السّين ، بضمّ السين والياء آخر الحروف ، وهي مثل القدور ، ولها مرافع من الذهب تجلس عليها ، يسمّونها السّبك ، بضمّ السين وبضم الباء الموحدة ، وأتوا بأقداح وطسوت وأباريق كلّها ذهب ، وجعلوا الطعام سماطين ، وعلى كلّ سماط صفّان ، ويكون في رأس الصفّ كبير القوم الواردين.
ولمّا تقدّمنا للطعام خدم الحجّاب والنقباء ، وخدمنا لخدمتهم ، ثمّ أتوا بالشربة فشربنا ، وقال الحجّاب : بسم الله ، ثمّ أكلنا واتوا بالفقّاع ثمّ بالتنبول ، ثمّ قال الحجّاب : بسم الله ، فخدمنا جميعا ، ثمّ دعينا إلى موضع هنالك فخلع علينا خلع الحرير المذهّبة ، ثمّ أتوا بنا إلى باب القصر فخدمنا عنده ، وقال الحجّاب : بسم الله ، ووقف الوزير ووقفنا معه ، ثمّ أخرج من داخل القصر تخت ثياب غير مخيطة من حرير وكتّان وقطن ، فأعطى كلّ واحد منّا نصيبه منها، ثمّ أتوا بطيفور ذهب فيه الفاكهة اليابسة ، وبطيفور مثله فيه الجلّاب وطيفور ثالث فيه التنبول.
ومن عادتهم انّ الذي يخرج له ذلك يأخذ الطيفور بيده ويجعله على كاهله ثمّ يخدم بيده الأخرى إلى الأرض ، فأخذ الوزير الطيفور بيده قصد أن يعلمني كيف أفعل إيناسا منه وتواضعا ومبرّة ، جزاه الله خيرا ، ففعلت كفعله ، ثمّ انصرفنا إلى الدار المعدّة لنزولنا بمدينة دهلي ، وبمقربة من دروازة بالم منها (٨١) ، وبعثت لنا الضيافة.
ذكر الضيافة
ولمّا وصلت إلى الدار التي أعدّت لنزولي وجدت فيها ما يحتلج إليه من فرش وبسط وحصر واوان وسرير الرّقاد ، وأسرّتهم بالهند خفيفة الحمل ، يحمل السرير منها الرجل الواحد ، ولا بدّ لكلّ احد أن يستصحب السرير في السفر يحمله غلامه على رأسه وهو أربع قوائم مخروطة ، يعرض عليها أربعة أعواد ، وتنسج عليها ضفائر من الحرير أو القطن ، فإذا نام الانسان عليه لم يحتج إلى ما يرطّبه به لأنّه يعطي الرطوبة من ذاته.
وجاءوا مع السرير بمضرّبتين ومخدّتين ولحاف ، كلّ ذلك من الحرير وعادتهم أن يجعلوا للمضرّبات واللّحوف وجوها تغشيها من كتّان أو قطن بيضا ، فمتى توسّخت غسلوا الوجوه المذكورة وبقى ما في داخلها مصونا.
__________________
(٨١) تقع هذه الدّار جنوب غربي المدينة ـ ٩٤١ ,iii.