وأهل سمرقند لهم مكارم أخلاق ومحبة في الغريب وهم خير من أهل بخارى ، وبخارج سمرقند قبر قثم ابن العباس (٧٤) بن عبد المطلب رضي الله عن العباس وعن ابنه وهو المستشهد حين فتحها ، ويخرج أهل سمرقند كلّ ليلة اثنين وجمعة إلى زيارته ، والتتر يأتون لزيارته ، وينذرون له النذور العظيمة ويأتون إليه بالبقر والغنم والدراهم والدنانير فيصرّف ذلك في النفقة على الوارد والصادر ولخدام الزاوية والقبر المبارك وعليه قبة قائمة على أربع أرجل ، ومع كلّ رجل ساريتان من الرخام منها الخضر والسّود والبيض والحمر ، وحيطان القبة بالرخام المجزّع المنقوش بالذهب ، وسقفها مصنوع بالرصاص ، وعلى القبة خشب الآبنوس المرصع مكسو الأركان بالفضة وفوقه ثلاثة من قناديل الفضة ، وفرش القبة بالصوف والقطن (٧٥) وخارجها نهر كبير يشقّ الزّاوية التي هنالك وعلى حافّتيه الأشجار ودوالي العنب والياسمين ،
وبالزاوية مساكن يسكنها الوارد والصادر ، ولم يغيّر التتر أيام كفرهم شيئا من حال هذا الموضع المبارك بل كانوا يتبرّكون به لما يرون له من الآيات ، وكان الناظر (٧٦) في كل حال هذا الضريح المبارك وما يليه. حين نزولنا به ، الأمير غياث الدّين محمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن يوسف بن الخليفة المستنصر بالله العباسي ، وقدّمه لذلك السلطان طرمشيرين لما قدم عليه من العراق وهو الآن عند ملك الهند ، وسيأتي ذكره.
ولقيت بسمرقند قاضيها المسمى عندهم صدر الجهان (٧٧) ، وهو من الفضلاء ذوي المكارم ، وسافر إلى بلاد الهند بعد سفري إليها فأدركته منيته بمدنية ملتان قاعدة بلاد السند
__________________
(٧٤) استشهد قثم عام ٥٦ ه ـ ٦٧٦ أثناء حصار المدينة حيث ورد صحبة سعيد بن عثمان وانتشر الإسلام بسببه في آسيا الوسطى وما وراء النهر. ويقع قبره في المجموعة المعمارية التي تحمل اسم شاه زنده : (الامير الحيّ) التي تعتبر من أهم المجموعات الأثرية في آسيا الوسطى ، ولكن الوصف اليوم يختلف كثيرا عما كان أيام ابن بطوطة ... إن الضريح اليوم ـ كما وقفنا عليه ـ يقع في بيت مربع حيث طليت صفائح الخزف المنقوشة بالميناء الفيروزيّ اللون ، لقد نقشت على القبر هذه الكلمات : هذا مرقد أمير المومنين قثم بن العباس رضياللهعنه ابن عم سيد المرسلين وخاتم النبيئين ورسول رب العالمين عليهالسلام ...
هذا ويفترض بعض المعلّقين أن الاهتمام بهذا الضريح لم يتم إلّا أيام العباسيين لانهم يجدون في ذلك احياء لذكرهم جدّهم العباس ـ بارتولد : تركستان : ص ١٨٢ ـ ١٨٣.
(٧٥) ليس القصد إلى تفريش الأرض ولكن كذلك إلى تغطية الجدران وتأثيث الزاوية.
(٧٦) تعتبر وظيفة «الناظر» من الوظائف الهامة في الحكومة المغربية وهي تختص بالنظر في الأوقاف المخصصة لسير المساجد والزوايا وأحيانا لمساعدة بعض المشاريع الاجتماعية وافتداء الأسرى ...
ويستعمل اللفظ لحد الآن في الإدارة المغربية لهذا الغرض.
(٧٧) سبق أن ذكرنا أن كلمة الصدر ربما كانت في المشرق تعني قاضي القضاة على ما سبق ، وصدر الجهان تعني قاضي الدنيا ...