عروشها غير عامرة ، ومن رآها ظنها عامرة لإتقان بنائها وكانت ضخمة فسيحة ، ومساجدها ومدارسها باقية الرسوم حتى الآن ونقوش مبانيها مدخلة بأصبغة اللّازورد ، والناس ينسبون اللّازورد إلى خراسان ، وانما يجلب من جبال بدخشان التي ينسب إليها الياقوت البدخشى ، والعامة يقولون : البلخش (٨٦) ، وسياتي ذكرها إن شاء الله تعالى ، وخرب هذه المدينة تنكيز اللّعين وهدم من مسجدها نحو الثّلث بسبب كنز ذكر له أنه تحت سارية من سواريه ، وهو من أحسن مساجد الدنيا وأفسحها ، ومسجد رباط الفتح بالمغرب (٨٧) يشبهه في عظم سواريه ، ومسجد بلخ أجمل منه في سوي (٨٨) ذلك.
حكاية [أميرة تبني مسجدا]
ذكر لي بعض أهل التاريخ أن مسجد بلخ بنته امرأة كان زوجها أميرا بلخ لبني العباس يسمّى داود بن علي (٨٩) ، فاتفق أن الخليفة غضب مرة على أهل بلخ لحادث أحدثوه فبعث إليهم من يغرمهم مغرما فادحا ، فلما بلغ إلى بلخ أتى نساؤها وصبيانها إلى تلك المرأة
__________________
(٨٦) اللّازورد (lapas ـ lazuli) يوجد في الجانب الأعلى من نهر كوكتشاkokcha بدخشان : توجد في أقصى الشمال الشرقي لأفغانستان ، هذا وقد أشاد ماركوپولو بالأحجار الكريمة التي تشتهر بها المنطقة ...
(٨٧) عجيب أنّ ابن بطوطة لم يلفظ باسم (حسّان) الذي ذكره (القرطاس) المكتوب عام ٧٢٦ ، ويدعى المراكشي أنه لا يعلم في مساجد المغرب أكبر منه ناسيا جامع القرويين بفاس!! هذا ومما يذكر هنا أن الهندسة المغربية جرت على أن طول الصومعة يعادل خمس مرات سعتّها ولهذا نقول : لو كملت لكانت أكبر صومعة في الغرب والشرق طبعا قبل بناء صومعة جامع الحسن الثاني بالدار البيضاء!!
j. caille la ville de rabat ـ paris ٤٥٩١ ـ p. ٥٥١ ـ ٤٧١
ذ. التازي : جامع القرويين ـ بيروت ١٩٧٢ ج.i ص ٥٦.
(٨٨) حدث عام ٤٢٣ ـ ١٠٣٣ أن وصلت سفارة من بغداد إلى بلاط مسعود الغزنوي للأخبار بوفاة القادر بالله وأخذ البيعة للخليفة القائم بالله ... وكانت مناسبة ليصحب السفير ركب السلطان لأداء صلاة الجمعة في هذا المسجد الأعظم ... كان أمام السلطان أربعة آلاف من الغلمان ... ومعهم أعيان الحضرة والقضاة والفقهاء ومعهم رسول الخليفة يسير في الموكب ... ولما دخل السلطان المسجد جلس تحت المنبر وكانوا قد كسوه بالديباج الموشى بالذهب ... ، نفهم من هذا أن المسجد كان فسيحا إلى درجة أنه كان يسع ذلك العدد الحافل إضافة إلى من كان فيه من المؤمنين ...
ـ تاريخ البيهقي ، تعريب الأستاذ يحيى الخشاب ، ص ٣١٩.
(٨٩) يظهر أن الصّواب داود بن عبّاس الذي عاش هذا الحدث الطريف في النصف الأول من القرن الثالث. خليل الله خليلي : ابن بطوطة في أفغانستان ـ مطبعة الجامعة ـ بغداد ١٩٧١ ص ٢٢ ـ ٢٣ تقديم عبد الهادي التازي ency de l\'islam : balk.