ثم سافرنا من مدينة بلخ فسرنا في جبال قوه استان (٩٣) سبعة أيام وهي قرى كثيرة عامرة، بها المياه الجارية والأشجار المورقة ، وأكثرها شجر التين ، وبها زوايا كثيرة فيها الصالحون المنقطعون إلى الله تعالى ، وبعد ذلك كان وصولنا إلى مدينة هرات وهي أكبر المدن العامرة بخراسان.
ومدن خراسان العظيمة أربع ثنتان عامرتان وهما : هرات ونيسابور (٩٤) وثنتان خربتان : وهما بلخ ومرو (٩٥) ، ومدينة هرات كبيرة عظيمة كثيرة العمارة ولأهلها صلاح وعفاف وديانة ، وهم على مذهب الامام أبي حنيفة رضياللهعنه ، وبلدهم طاهر من الفساد.
__________________
(٩٣) قوهستان : معناها أرض الجبال لا أكثر ولا أقل ولا تعني علما جغرافيا محدد المعالم ... والملاحظ حسبما يقوله زميلنا الراحل السفير الأفغاني خليلي في تحقيقه عن ابن بطوطة في أفغانستان ، ان الطريق العام الذي يمتد من بلخ إلى هرات هو الذي كانت القوافل تمر به قديما محاذية لجوزجان شبورغان ، ميمنة ، نهر مرغاب ، مرو الروذ ، بادغيس ـ هرات.
ويضيف خليلي إلى هذا أن جوزجان ترتبط بميمنة بطريقين الطريق العام المذكور ، والطريق الآخر : طريق سربل ـ اذا فرضنا أن ابن بطوطة سلك الطريق الثاني فمن الغريب أنه لم يذكر سربل ولم يذكر مشهد الامام يحيى بن زيد بن علي بن الحسن بن علي رضياللهعنهم ، وقد كانت قبة معمورة في ذلك الوقت ... وقد ذكر مستوفي طريقا من مرو الروذ إلى بلخ بشيء من الاختلاف ـ راجع التعليق الآتي رقم ١١٥.
(٩٤) تعتبر هرات رابعة قواعد إقليم خراسان الذي تشترك فيه اليوم أفغانستان وإيران ، وقد وصفت على أنها أكبر وأغنى مدينة ... وينعتها العلامة الشهير التفتازاني : في كتابه (المطول) بأنها «جنة النعيم» بلدة طيبة ومقام كريم :
لقد جمعت فيها المحاسن كلها |
|
وأحسنها الإيمان واليمن والامن |
وقد زارها ياقوت وقال رجزا في أعنابها التي كانت مضرب المثل
أدقّ من فكر اللبيب بذره |
|
أرقّ من قلب الغريب قشره!! |
وقد استغرب السفير خليلي رحمهالله من عدم ذكر ابن بطوطة شيئا عن جامع هرات الذي كان من المعالم الضخمة الممتازة ، وقد قال عنه ابن حوقل : وليس بخراسان وما وراء النهر وسجستان والجبال مسجد أعمر بالناس على دوام الأيام من مسجد هرات وبلخ».
ـ خليل الله خليلي : هرات ج ١ ، ص ٤٥ ، مطبعة المعارف ، بغداد ١٩٧٤.
(٩٥) كانت هناك في الواقع مدينتان تحملان هذا الاسم ، ولكي يميّز بينهما عرفت الأولى بمروالروذائي ، مرو النهر، وهي قريبة من مرو الشاهجان بينهما خمسة أيام ، وتنعث هذه بمرو العظمى وهي اشهر مدن خراسان وعاصمتها. والنسبة اليها مروزي ويعرف المغاربة صحنا فاخرا يحمل إلى اليوم اسم المروزية يقال إنهم توارثوه عمن عرفوه في مرو! في مرو شاهجان هذه عاش ياقوت لفترة طويلة قبل أن يخربها جنكير خان عام ٦١٨ ـ ١٢٢١ ويعترف أنه لو لا خرابها لفضل البقاء بها حتى الممات ، وفي هذه المدينة وقعت له المناظرة الطريفة حول ضبط العلم الجغرافي (حباشة) السوق الذي كان الرسول عليه الصلوات يتجر فيه بتهامة لحساب السيدة خديجة ... وكانت تلك المناظره كما يقول ياقوت في المقدمة باعثا له لتأليف معجم البلدان اسهاما منه في ضبط العلم الجغرافي على ما هو ... انظر معجم البلدان المقدمة ، ومادة حباشة ومادة مرو ، راجع المقدّمة.