قرى فيها مشايخ وصالحون ، وبها البساتين والأنهار فنزلنا بقندوس على نهر ماء به زاوية لأحد شيوخ الفقراء من أهل مصر ، يسمّى بشير سيّاه ومعنى ذلك الأسد الأسود ، وأضافنا بها والي تلك الأرض ، وهو من أهل الموصل ، وسكناه ببستان عظيم هنالك ، وأقمنا بخارج هذه القرية نحو أربعين يوما لرعي الجمال والخيل ، وبها مراعي طيبة وأعشاب كثيرة ، والأمن بها شامل بسبب شدة أحكام الامير بزنطيه (١٤٠) ، وقد قدمنا أن أحكام الترك في من سرق فرسا أن يعطي معه تسعة مثله ، فإن لم يجد ذلك أخذ فيها أولاده ، فإن لم يكن له أولاده ذبح ذبح الشاة! والناس يتركون دوابّهم مهملة دون راع بعد أن يسم كلّ واحد دوابه في أفخاذها ، وكذلك فعلنا في هذه البلاد!
واتفق أن تفقدنا خيلنا بعد عشر من نزولنا بها ، ففقدنا منها ثلاثة أفراس ، ولما كان بعض نصف شهر جاءنا التتر بها إلى منزلنا ، خوفا على أنفسهم من الأحكام.
وكنا نربط في كل ليلة إزاء أخبيتنا فرسين لما عسى أن يقع بالليل ، ففقدنا الفرسين ذات ليلة ، وسافرنا من هنالك ، وبعد اثنتين وعشرين ليلة جاءوا بهما إلينا في أثناء طريقنا.
وكان أيضا من أسباب إقامتنا خوف الثلج ، فإن بأثناء الطريق جبلا يقال له هندوكوش(١٤١) ومعناه قاتل الهنود ، لأنّ العبيد والجواري الذين يوتي بهم من بلاد الهند يموت هنالك الكثير منهم لشدّة البرد وكثرة الثلج ، وهو مسيرة يوم كامل ، وأقمنا حتى تمكّن دخول الحرّ (١٤٢) ، وقطعنا ذلك الجبل من آخر الليل وسلكنا به جميع نهارنا إلى الغروب ، وكنا نضع اللبود بين أيدي الجمال وتطأ عليها لئلا تغرق في الثلج!
ثم سافرنا إلى موضع يعرف بأندر (١٤٣) ، وكانت هنالك فيما تقدم مدينة عفى رسمها ،
__________________
(١٤٠) برنطية أو برنتيه لم نستطع ـ كما أسلفنا ـ أن نقف على ذكر له حتى في المصادر الأفغانية ـ حول عقوبة سرقة الخيول انظر الفصل ٣.
(١٤١) تعدّ سلسلة جبال (هندوكش)(hindu kush) بمنزلة العمود الفقري لافغانستان وأن الجبال التي تقع في الشمال والجنوب من أفغانستان هي فروع لهندوكش ، وورد في كتاب الابستاق اسم هذا الجبل بما يمكن ترجمته هكذا : «أعلى من طيران العقاب» ، وتبلغ قمته أكثر من ٧٠٠٠ متر ، ولقد أقام الرحالة المغربي في بغلان حوالي أربعين يوما حتى يساعد الطقس لعبور قمم هندوكوش ، «وياليت ابن بطوطة ، يقول خليلي : كان حيا اليوم ليرى كيف استطاع الانسان بعلمه اختراق هندوكوش في ساعة واحدة!! خليلي ٦٢.
(١٤٢) هذه الاشارة التي نقلتنا إلى فصل الربيع لسنة ٧٣٥ ـ ١٣٣٥ أو (٧٣٣ ـ ١٣٣٣) تشهد بأن التنقلات كانت صعبة في خراسان ...
(١٤٣) أوردها ابن بطوطة هكذا (اندر) وهي (اندراب) مدينة صغيرة شمال هندوكوش ، وهي يقول خليلي ـ غير مدينة أندراب (andarab) التي تقع في أردبيل وغير اندرابه التي في مرو وشاهنجان ، وهي النقطة الأولى في شمال هندوكوش التي توقف فيها الاسكندر ، وكانت الفضّة التي تستخرج من مناجم تذوّب في أندراب ... ـ خليلي : ابن بطوطة في أفغانستان ص ٦٠ ـ ٦١.