ومن العجب أن هذه الحبوب إذا يبست في الشمس كان مطعمها كمطعم التين ، وكنت آكلها عوضا من التين إذ لا يوجد ببلاد الهند ، وهم يسمون هذه الحبة الأنكور ، بفتح الهمزة وسكون النون وضم الكاف المعقودة والواو والراء ، وتفسيره بلسانهم : العنب.
والعنب بأرض الهند عزيز جدا ولا يكون بها إلا في مواضع بحضرة دهلي وببلاد. (٤١) ويثمر مرتين في السنة ، ونوى هذا الثمر يصنعون منه الزيت ويستصبحون به.
ومن فواكههم فاكهة يسمونها كسيرا (٤٢) ، بفتح الكاف وكسر السين المهمل وياء مدّ وراء ، يحفرون عليها الأرض وهي شديدة الحلاوة تشبه القسطل.
وببلاد الهند من فواكه بلادنا الرّمان ، ويثمر مرتين في السنة ورأيته ببلاد جزائر ذيبة المهل لا ينقطع له ثمر ، وهم يسمونه أنار ، بفتح الهمزة والنون ، وأظن هو الأصل في تسمية الجلّنار فإن جل بالفارسية الزهر ، وأنار : الرمان.
ذكر الحبوب التي يزرعها أهل الهند ويقتاتون بها
وأهل الهند يزدرعون مرتين في السنة ، فإذا نزل المطر عندهم في أوان القيظ زرعوا الزرع الخريفي وحصدوه بعد ستين يوما من زراعته ، ومن هذه الحبوب الخريفية عندهم الكذرو (٤٣) ، بضم الكاف وسكون الذال المعجم وضم الراء وبعدها واو ، وهو نوع من الدّخن ، وهذا الكذرو هو أكثر الحبوب عندهم. ومنها القال ، بالقاف ، وهو شبه أنلي.
ومنها الشاماخ ، بالشين والخاء المعجمين ، وهو أصغر حبّا من القال ، وربما نبت هذا الشاماخ من غير زراعة ، وهو طعام الصالحين وأهل الورع والفقراء والمساكين ، يخرجون
__________________
(٤١) يظهر ان ابن بطوطة طلب إلى ابن جزى أن يترك هنا فراغا على أمل أن يتذكر المكان الآخر الذي يوجد فيه العنب ، بعض النسخ كتبت عوض الفراغ حرف الضاد إشارة للبياض أما البيلوني الذي اختصر الرحلة فقد ملأ المكان بقوله : «وبعض أماكن». هذا ويلاحظ أن العنب يوجد بكثرة في الهند كيف وهو أي ابن بطوطة يتحدث كما ياتي عن أن دولة أباد تشهد موسمين اثنين للعنب مع العلم أن العمري ـ وهو معاصر لابن بطوطة يتحدث في مسالك الابصار عن وجود العنب بالهند ـ كلمة (أنكور) من أصل فارسي ...
(٤٢) كسيرا ، يجعل گيب أمامه الاسم المحلي والعلمي على هذا النحو : kaseru ;seripus kysoor ويردد وصف ابن بطوطة لها بأنها فاكهة أرضية ، هذا وكلمة جلنار ، كما نرى ، كلمة فارسية ...
(٤٣) الكذرو : يطلق على ما يعرف عندنا بالمغرب أنلي أوإيلان (millet) ، يكثر بجنوب المغرب وبوصف لتقوية العظام وهو قريب من الدّخن ومن القال ... اما الشاماخ فقد قال عنه ابن بطوطة أنه قد ينبت من غير زراعة ، ولذلك كان طعام الصالحين!