بالعدالة والضبط ويثبت ذلك بالنقل عن أعلام الدين بعد تعديلهم وبراءتهم من الجرح والغفلة فيكون ذلك دليلا على القبول أو الترك ، وكذلك مراتب هؤلاء النقلة من الصحابة والتابعين وتفاوتهم فى ذلك ، وتميزهم فيه ، وكذلك الآسانيد تتفاوت باتصالها وانقطاعها وبسلامتها من العلل الموهنة لها (١).
تعرض الحديث للتحريف ، لأن العرب كانوا لا يدونونها ، وظهر علماء أجلاء بذلوا جهودا مضيئة فى سبيل جمع الحديث الصحيح ، ومع ذلك فإن الفقهاء ناقشوها ورفضوا كثيرا منها ، فالإمام أبو حنيفة لم يوافق إلا على ستة عشر حديث جمعها البخارى (٢).
ظهرت المصنفات فى العصر العباسى الأول فى الحديث ، وتتضمن تقسيم الأحاديث وتبويبها حسب الموضوعات من عبادات ومعاملات وأخلاق وغير ذلك ، والمصنفات تختلف عن المسند ، لأن المسند يبوب حسب الرجال ، أما المصنف فهو ـ كما قلنا ـ حسب الموضوعات (٣).
ولقد ظهرت المصنفات فى بغداد فى وقت احتدام الصراع بين أهل الحديث وأهل الرأى الذين لم يعتمدوا على الحديث كثيرا كمصدر من مصادر التشريع ، ومن حرص علماء الحديث على وضع مصنفات يبرزون فيها المسائل الفقهية المختلفة ، بحيث لا يجد أهل الرأى مجالا للأدعاء بأن الحديث ليس مصدرا هاما للتشريع الإسلامى.
وجدير بالذكر أن أحمد بن حنبل اعتمد فى فقهه على الحديث ، فإذا وجد حديثا صحيحا اكتفى به ، وإذا عثر على فتوى من الصحابة أخذ بها ، وأحيانا يروى فى المسألة الواحدة رأيين ، وكان يرفض القياس إلا فى الضرورة القصوى ، ويفضل عليه الحديث حتى ولو كان مرسلا أو ضعيفا (٤).
ومن أشهر رواة الحديث الذين أقاموا فى بغداد ، محمد بن إسحاق بن يسار ـ
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ص ٣٤٥.
(٢) دى بور ، تاريخ الفلسفة فى الإسلام ص ٤٨.
(٣) على حسن عبد القادر ، نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى ص ٤٣.
(٤) ابن النديم ، الفهرست ص ١٣٦.
Nicholson : Literary Hist of persia. p. ٧٣٣.