حدودهم (١). وأصبح العراق بعد انتقال قصبة الدولة اليه ـ حلقة الأتصال بين العنصرين العربى والإيرانى اللذين يتألف منهما الجماعة الإسلامية (٢).
ولم تكن كل من الكوفة والبصرة ـ وهما المدينتان الكبيرتان اللتان كانتا موجودتين منذ الفتح العربى الأول للعراق ـ تصلح لأن تكون حاضرة للدولة الجديدة ذلك أن أهل الكوفه كان معظمهم شيعة يعارضون الحكم العباسى بل ويسعون إلى نقل الخلافة للعلويين ، أما البصرة فلم تكن تصلح هى كذلك لوقوعها فى الجنوب لذلك أقام أبو العباس السفاح ـ أول خلفاء الدولة العباسية ـ فى الحيرة (٣). وفى سنة ١٣٤ ه انتقل إلى الأنبار وبنى مدينة على شاطئ الفرات ، سماها الهاشمية نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف (٤) ، وتوفى أبو العباس قبل أن يتم بناء المدينة ، ولما ولى أبو جعفر المنصور الخلافة سنة ١٣٦ ه لم يشأ أن يقيم فى مدينة أخيه وسلفه أبى العباس ، إذ بنى مدينة بين الكوفة والحيرة سماها الهاشمية أيضا ، وأقام بها لكنه لم يلبث أن كره سكناها لما ثارث عليه الراوندية (٥). كما أن قربها من الكوفة ـ ومعظم أهلها يناصر العلويين ـ جعلته لا يشعر بالطمأنينة ، لأنهم قد يثورون عليه فى أى وقت ، وفعلا أفسدوا جنده وأنصاره عليه (٦).
وعلى ذلك فقد عول المنصور على تأسيس حاضرة جديدة لدولته ، فخرج بنفسه يرتاد لها موضعا يتخذه مسكنا لنفسه وجنده وبنى به مدينته ، فبدا فانحدر إلى جرجرايا (٧) ثم صار إلى بغداد ، ثم مضى إلى الموصل ثم عاد إلى بغداد
__________________
(١) اليعقوبى : البلدان ص ٢٢١
(٢) ENCY of ISLAM : Art Baghdad
(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك ، حوادث سنة ١٣٤ ه.
(٤) le Strange : Beghdad during the Abbasid caliphote p. s
(٥) الراوندية قوم من أهل خراسان كانوا يقولون تناسخ الأرواح ، ويزعمون أن روح آدم أنتقل إلى رجل من كبارهم ، وأن ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم هو المنصور ، وطافوا : بقصره وقالوا : هذا نصر ربنا. فأمر المنصور بالقبض على رؤسائهم فغضب الباقون وثاروا عليه ، فأخذ المنصور ثورتهم ، ونكل بهم.
(٦) ابن طباطبا : الفحرى فى الآداب السلطانية ص ١٤٣.
(٧) بلد من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد (ياقوت : معجم البلدان ج ٣ ص.