الأمراء ورجال الدولة لوداع الخليفة ، أوصاهم بالسهر على الرعية ثم نفخ فى البوق إيذانا بالنفير ، وزحف الحجيج وفى مقدمتهم هودج الخليفة (١).
ويصف لنا ابن قتيبة (٢) أحد مواكب الرشيد فى رحلة الحج فيقول : لما أعتزم الرشيد الحج أمر بتمهيد طريق ، الحج ، وذلك بإزالة العوائق من الطريق ، ولذلك حولت بعض القنوات ـ التى تعترض الطريق ـ عن مجراها ، وأزيلت المرتفعات والآكام التى تعرقل الطريق ، وردمت الخنادق ، حتى صار الطريق من بغداد إلى مكة المكرمة ممهدا وأمر بعمل محطات فى الطريق تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة أثنى عشر ميلا ، وفى كل محطة دار فرشت بالبسط الفاخرة ، ونصبت لها جدار بالستور وسمكها بأكسية الخز الرفيع الملون ، وعلى كل فرسخ من الطريق أقيمت قبة مفروشة ، وقد أحاط بها الأشجار التى تظللها ، وأقيمت الرواقات الكثيفة بها أنواع الطعام والشراب والفاكهة ، فكان يمشى ثلاثة أميال ثم ينزل فى قبة أمامها رواق فينال راحته ، ويصيب ما اشتهى من ألوان الطعام ، واقفه فى طريقه الوزراء والقواد وأمراء الأجناد والأعلام والفقهاء والعساكر قد صاروا منه بمعزل يحاذونه فى طريقه إذا نزل وكان فى تواقفه يتابع أمور دولته ، فيأتيه البريد بأخبار الأمصار والبلدان. ويصدر أوامره وتعليماته إلى بلدان دولته.
لم تقتصر مواكب الخلفاء على الخروج للصلاة أو الحج. وإنما اشتملت أيضا رحلات الخليفة إلى الصيد. فحينما كان يخرج الخليفة المهدى للصيد يحاط بفرسان من الحرس متقلدين سيوفهم ، يتبعهم عدد من الجند وطائفة من الغلمان (٣).
وكانت نساء الخلفاء يتنقلن فى مواكب خاصة بهن ، فالخيزران ـ أم الهادى والرشيد ـ كانت تنقل فى موكب عظيم من الغلمان المزينة ، والخيل عليها كسوة من الديباج والحلية الثقيلة من الفضه (٤).
__________________
(١) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٥٣ ـ ٥٥.
(٢) الإمامه والسياسة ص ٢٢٣.
(٣) Gohn Glubb the Empire of the Arabs p.٤٦٢.
(٤) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٢٢.