ثم قال : يا بني إنّي صحبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فخرجت معه ذات يوم فكساني أحد ثوبيه الذي يلي جلده ، فخبّأته لمثل هذا اليوم ، فإذا أنا متّ فأشعرني ذلك القميص دون كفني يلي جلدي ، وأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من شعره وأظفاره ، فأخذته فخبّأته لمثل هذا اليوم ، وخذ ذلك الشعر والأظفار فاجعله على فمي وعيني ، وفي مواضع السجود ، فإن ينفع شيء فإن الله غفور رحيم.
[قال ابن عساكر :](١) والصحيح أن يزيد لم يدركه حيّا ، وإنّما جاء بعد موته.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيوية ، أنا أحمد بن معروف ، نا الحسين بن فهم ، نا محمّد بن سعد ، أنا علي بن محمّد ، عن سليمان ابن أيوب ، عن عمرو بن ميمون وعن غيره ، قالوا (٢) :
لما مات معاوية أخرجت أكفانه فوضعت على المنبر ، ثم قام الضحّاك بن قيس الفهري خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن أمير المؤمنين معاوية كان في جدّ (٣) العرب ، وعوذ العرب ، وحد (٤) العرب ، قطع الله به الفتنة ، وملّكه على العباد ، وسيّر جنوده في البر والبحر ، وبسط به الدنيا ، وكان عبدا من عبيد الله ، دعاه الله فأجابه ، فقد قضى نحبه ، رحمة الله عليه ، وهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها ، ومدخلوه قبره ومخلّوه وعمله فيما بينه وبين ربه ، إن شاء رحمه وإن شاء عذّبه ، ثم هو الهرج إلى يوم القيامة ، فمن أراد حضوره بعد الظهر فليحضره فإنا رائحون به ، وصلّى عليه الضحّاك بن قيس الفهري.
قال : وكان يزيد غائبا حين مات معاوية بحوّارين (٥) ، فلما ثقل معاوية أرسل إليه الضحّاك (٦) ، فقدم ، وقد مات معاوية ، ودفن ، فلم يأت منزله حتى أتى قبره فصلّى عليه ، ودعا له ، ثم أتى منزله فقال :
__________________
(١) زيادة منا.
(٢) أنساب الأشراف ٥ / ١٦١ (ط. دار الفكر) وتاريخ الطبري ٦ / ١٨٢ والكامل لابن الأثير ٢ / ٥٢٥ والأخبار الطوال ص ٢٢٦ والفتوح لابن الأعثم ٤ / ٣٥٣ ، والبداية والنهاية ٨ / ١٥٢. باختلاف بعض ألفاظ خطبته بين المصادر.
(٣) الأصل : حد ، والمثبت عن «ز».
(٤) الحدّ منك : بأسك ونفاذك في نجدتك ، يقال : إنه لذو حدّ (تاج العروس : حدد).
(٥) حوّارين : بالضم وتشديد الواو ، وبكسر وفتح الراء ، حصن من ناحية حمص. وفي «ز» : «حراين» تحريف.
(٦) يفهم من رواية الفتوح لابن الأعثم ٥ / ٥ والبداية والنهاية ٨ / ١٥٢ أن الضحاك أرسل إلى يزيد بخبر وفاة معاوية انظر نص كتاب الضحاك إلى يزيد بن معاوية في كتاب الفتوح لابن الأعثم الكوفي : ٥ / ٥.