نعم ، استشهد لذلك في « شرح المقاصد » بقوله : « ولذا يصحّ :
رأيت القمر وما أدركه بصري لإحاطة الغيم به ؛ ولا يصحّ : أدركه بصري وما رأيته » (١).
وهو بظاهره غير تامّ ، لأنّه إن حصل الغيم والحاجب عن القمر ، لم يصحّ أيضا « رأيته » كما لا يصحّ « أدركه بصري » ؛ وإن لم يحصل الحاجب صحّ أن يقال : « رأيته وأدركه بصري » معا.
على إنّ أخذ الإحاطة في معنى الإدراك ، بقوله سبحانه : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) (٢) غير متصوّر ، سواء أريد الإحاطة بحقيقة المرئي وماهيّته ، أم بجوانبه وباطنه ، إذ ليس من شأن الأبصار إحدى هاتين الإحاطتين حتّى يتمدّح تعالى بنفي إحاطة الأبصار به هذه الإحاطة.
على إنّ إحاطة الأبصار بجوانب المرئي إنّما تكون مع صفائه ، كالزجاج ، فإذا فرض أنّ الله سبحانه نفاها عنه ، وجعلها نقصا في حقّه ـ وهي أشبه بالكمال ـ ، فرؤيته بلا إحاطة أولى بالانتفاء ؛ لأنّها لا تكون إلّا مع كثافة المرئي.
هذا ، وقد أورد القوم على الاستدلال بالآية بأمور أخر :
الأوّل :
ما عن الفخر الرازي ، وهو : إنّ التمدّح إنّما يحصل بنفي الرؤية إذا
__________________
(١) شرح المقاصد ٤ / ٢٠٤.
(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٠٣.