سمّاها ب : نظم السلوك ـ على حدّ نظم الشعراء أشعارهم ، بل كانت تحصل له جذبات يغيب فيها عن حواسّه [ نحو ] الأسبوع والعشرة أيّام ؛ فإذا أفاق أملى ما فتح الله عليه منها من الثلاثين والأربعين والخمسين بيتا! ثمّ يدع حتّى يعاوده (١) ذلك الحال » (٢).
والظاهر أنّ المراد بغيبوبة حواسّه مجرّد تعطيل حركاته الظاهرية عن فعل الواجبات ونحوها ، وإلّا فكيف يقدر على نظم الشعر ، ولا يمكن دعوى الكرامة ـ بفتح الله عليه ـ من دون شعوره أصلا؟! فإنّ الكرامة لا تكون مع عدم التوفيق للصلاة التي هي عمود الدين.
وكذا ما شاهده المصنّف غير عجيب من جهة دعوى الوصول إلى الله تعالى ، فإنّ عليها جماعة من الصوفية كما صرّح به ابن القيّم الحنبلي في « شرح منازل السائرين » ـ على ما نقله السيّد السعيد عنه ـ قال : « ويعرض للسالك على درب الفناء معاطب ومهالك ، لا ينجيه منها إلّا بصيرة العلم ... ، منها : [ أنّه ] إذا اقتحم عقبة الفناء ظنّ أنّ صاحبها قد سقط عنه الأمر والنهي ، ... ويقول قائلهم : من شهد الحقيقة سقط عنه الأمر ؛ ويحتجّون بقوله تعالى : ( اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (٣) ، ويفسّرون ( اليقين ) بشهود الحكم التكويني (٤) ، وهي الحقيقة عندهم ؛ ... وهذا زندقة ونفاق وكذب منهم على أنفسهم ونبيّهم وإلههم » (٥).
__________________
(١) في الأصل : يعتاده.
(٢) شرح ديوان ابن الفارض ١ / ٨.
(٣) سورة الحجر ١٥ : ٩٩.
(٤) في المصدر : الكوني.
(٥) مدارج السالكين في شرح منازل السائرين ١ / ١٦٠ ـ ١٦٤ ، وعنه في إحقاق الحقّ ١ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.