والأوّل باطل ؛ لأنّ المخاطب إنّما يفيد نفسه لو كان يطرب في كلامه ، أو يكرّره ليحفظه ، أو يتعبّد به كما يتعبّد (١) الله بقراءة القرآن ؛ وهذه في حقّه محال لتنزّهه عنها.
والثاني باطل ؛ لأنّ إفادة الغير إنّما تصحّ لو خاطب غيره ليفهمه مراده ، أو يأمره بفعل ، أو ينهاه عن فعل.
ولمّا لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه ، كان كلامه سفها وعبثا!
وأيضا : يلزم الكذب في إخباره تعالى ؛ لأنّه قال في الأزل :
( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) (٢) [ و ] (٣) ( إِنَّا ... أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ ) (٤) و ( أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ ) (٥) و ( ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ ) (٦) ، مع إنّ هذه إخبارات عن الماضي ، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب ؛ تعالى الله عنه.
وأيضا : قال الله تعالى : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٧) ، وهو إخبار عن المستقبل ، فيكون حادثا.
__________________
(١) كذا في الأصل ، وهو تصحيف ؛ لأنّ قوله : « تعبّد الله » لا يصحّ تعديته مباشرة بغير حرف الجرّ ، بل يقال : « تعبّد لله » ؛ لأنّ قول القائل : « تعبّد فلان فلانا » أي اتّخذه عبدا ؛ وفي المصدر : « يعبد » وهو الصحيح.
(٢) سورة نوح ٧١ : ١.
(٣) أثبتناها لتوحيد النسق.
(٤) سورة النساء ٤ : ١٦٣.
(٥) سورة يونس ١٠ : ١٣.
(٦) سورة إبراهيم ١٤ : ٤٥.
(٧) سورة النحل ١٦ : ٤٠.