بالاختيار ـ كما بيّنه المصنّف ـ لا يجعل الفعل اضطراريا ، وإلّا كان خلفا ، بل كثير من الوجوب أو الامتناع بالغير لا يسلب القدرة والاختيار ، كالظلم وفعل القبيح ، فإنّهما ممتنعان على الله تعالى لقبحهما ، وهو قادر مختار في تركهما.
وبالجملة : المدار في القدرة والاختيار على كون الفعل منوطا بإشاءة الفاعل وأفعال العباد كذلك ، غاية الأمر أنّ الله تعالى علم أنّهم يفعلون أفعالا ويتركون أفعالا بإشاءتهم للأمرين ، كما يعلم ذلك في حقّه تعالى ، وهو لا يوجب الخروج عن القدرة والاختيار.
وأمّا ما أورد به على الجواب الذي نقله شارح « المواقف » ..
ففيه : إنّه إن أراد بقوله : « إنّ علم الله تعالى بالموجودات فعليّ » أنّه سبب حقيقي مؤثّر فيها ، ومنها أفعالنا ، فهو باطل ألبتّة حتّى لو قلنا : إنّه تعالى فاعل لأفعالنا ؛ لأنّ المؤثّر فيها قدرته لا علمه.
وإن أراد به أنّ علمه شرط لها ، فلا يضرّنا تسليمه ، إذ لا يستدعي خروج أفعالنا عن قدرتنا ؛ لأنّ الأثر للفاعل ، لا للشرط.
والقوم يعنون بكون العلم الفعلي سببا لوجود المعلوم في الخارج ، أنّه دخيل في السببية من حيث كونه شرطا ، كعلم المهندس ، بخلاف العلم الانفعالي ، فإنّه ليس بشرط للمعلوم ، بل هو مسبّب ، أي : فرع عن وجود المعلوم ، كعلمنا بما وقع.
وبخلاف الفعلي والانفعالي أيضا الذي يعرّفونه بما ليس سببا لوجود المعلوم في الخارج ، ولا مسبّبا عنه ، كعلم الله سبحانه بذاته ، فإنّه بالاتّفاق عين ذاته ، ويختلفان بالاعتبار.
على أنّ الحقّ أنّ العلم الفعلي ليس شرطا لوجود المعلوم ، ضرورة