ونحوها ؛ على أنّه إن زعم أنّ التهيّؤ أثر للعبد فقد خرج عن مذهبه ، وإلّا فلا يثمر تكلّفه إلّا تطويل مسافة الجبر.
وأمّا ثالثا : فلأنّ قوله : « لأنّ الغالب في القرآن ذكر الكسب عند إرادة ترتّب الجزاء » .. إن أراد به أنّ لفظ الكسب في القرآن يراد به المعنى الذي اصطلحه الأشاعرة ، فهو باطل ؛ لأنّه اصطلاح جديد ، فاللازم حمله على معناه اللغوي ، وهو : العمل (١).
وأيّ دلالة في ذكر الكسب ـ عند إرادة ترتّب الجزاء ـ على كون المراد هو الكسب الأشعري حتّى يحمل عليه؟!
وإن أراد به أنّ وجود لفظ الكسب في القرآن ـ عند إرادة ترتّب الجزاء ـ سبب لتسمية المعنى الذي تصوّره الأشعري بالكسب ، ففيه :
إنّا لو تصوّرنا وجها للسببية ، فلا يثبت به إلّا تصحيح الاصطلاح ، لا حمل الكتاب العزيز عليه ، كما هي عادتهم.
وأمّا رابعا : فلأنّ قوله : « إنّ فعل العبد صفة للعبد فيكون محلّا له ؛ لأنّ كلّ موصوف محلّ لصفته » ، باطل ؛ لأنّ أفعال الله تعالى صفات له ، لذا يوصف بالمحيي ، والمميت ، والخالق ، والرازق ، ونحوها ، وهو ليس محلّا لها بنحو محلّيّة الأسود للسواد الذي مثّل به.
ثمّ إنّ ما فرّعه عليه بقوله : « فيجوز أن يقال باعتبار كون الفعل صفة له : إنّه كسبه » ، غير تامّ ؛ فإنّه يستدعي أن يقال باعتبار كون أفعال الله تعالى صفة له : إنّه كسبها ، وهو باطل ؛ لأنّ الكسب لا يطلق إلّا حيث يكون الفاعل قاصدا لجلب النفع له أو دفع المضرّة عنه.
__________________
(١) انظر مادّة « كسب » في : لسان العرب ١٢ / ٨٧ ، المصباح المنير : ٢٠٣.