قادر عليها وجودا وعدما ، ولو بالقدرة على أسبابها!
وأمّا حمده لله تعالى على إقرار المصنّف بأنّ بعض أفعال العبد ممّا يخلقه الله تعالى ، فمن المضحك ، إذ لم يظهر من المصنّف اختيار أنّ إرادة العبد صادرة عن الله تعالى إن لم يظهر منه الخلاف ، ومجرّد قول أصحابه به ـ لو سلّم ـ لا يستلزم أن يقول المصنّف به ، إذ ليس هو من أصول الدين.
على أنّ القول بأنّ بعض أفعالنا مخلوق لله تعالى لا ينافي مذهبنا ؛ لأنّ النزاع بيننا وبين الأشاعرة في الإيجاب الكلّي حيث يقولون : إنّ جميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى (١) ، ونحن نمنعه ، فلا ينافي الإيجاب الجزئي.
ثمّ إنّ معنى قول الخصم : « ولكن ربّما يدفعه ... » إلى آخره ؛ هو أنّ المصنّف قد يجيب عن ذلك بأنّ الإرادة والاختيار ليسا محلّ النزاع ؛ لأنّ النزاع إنّما هو في الأفعال الاختيارية ، وليست الإرادة والاختيار صادرين بالاختيار.
وفيه : إنّ المصنّف لا يجيب بهذا ؛ لأنّ الإرادة عنده فعل اختياري (٢) ، أي من آثار قدرة العبد ، وإنّما يجيب بخطأ الخصم ، حيث زعم أنّ الإرادة عندنا من أفعال الله تعالى ، كما عرفت.
ثمّ إن أراد بقوله : « وعين المكابرة أن يقال : الاختيار فعل اضطراري » إنكار كون الاختيار فعلا ، فباطل ؛ لما عرفت من معنى الفعل.
وإن أراد به دعوى أنّ الاختيار مسبوق بالاختيار ، لزمه التسلسل.
__________________
(١) الإبانة عن أصول الديانة : ٤٦ ، تمهيد الأوائل : ٣٤١ ، المواقف : ٣١١.
(٢) مناهج اليقين : ٢٤٠ ـ ٢٤١.