بلا عوض ، وهما منافيان لحقّ الرعاية وإنصاف المملوك؟!
فلا بدّ عقلا من ثبوت عوض عن الألم يرضى به العبد.
ولقوله تعالى : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (١) ، ومن الرحمة إعطاء العوض على الآلام ، فيكون ممّا كتبه وأوجبه على نفسه تعالى.
وممّا يشهد بضرورة حكم العقل بوجوب العوض ، تفريع الخصم خلافا لمذهبه قوله : « فلا يلزم منه جور ولا ظلم » على ما أثبته من الفوائد في تعذيب الأطفال والأنبياء والأولياء ، فإنّ تفريع ذلك على هذا يستدعي لزوم الجور والظلم بدون الفوائد ، وإلّا لم يكن محلّ للتفريع.
وأمّا ما ذكره من العادة التي هي غيب ، فقد عرفت ما فيه مرارا.
وأمّا قوله : « وأمّا حديث العوض في أفعال الله تعالى ، فقد مرّ بطلانه » ..
ففيه : إنّه لم يتقدّم ذكر العوض على أفعال الله تعالى ـ وهي الآلام ـ الذي عرّفه المتكلّمون بالنفع المستحقّ ، لا على وجه التعظيم والإجلال.
وإنّما تقدّم في الشرط الخامس للتكليف ذكر الثواب على أفعال العبد المكلّف بها ، الذي عرّفوه بالنفع المستحقّ على وجه التعظيم والإجلال (٢) ، فكيف يزعم أنّ حديث العوض في أفعال الله تعالى ـ الذي وقع به كلام المصنّف هنا ـ قد مرّ بطلانه؟!
ولكنّه اشتبه عليه الأمر وخلط من حيث لا يعلم ، وعلى هذا الخلط جرى في قوله : « كالتاجر والعامل ، أعطى الأعمال والآن يريد جزاء الواجب
__________________
(١) سورة الأنعام ٦ : ٥٤.
(٢) تقدّم في ردّ الفضل في الصفحة ٣٨٩ من هذا الجزء.