قال السبكي : ويمكن أن يقال : إن قصد بذلك التعظيم فالحق ما قاله الشيخ أبو محمد ؛ لأنه تعظيم لما لم يعظمه الشرع ، وإن لم يقصد مع عينه أمر آخر فهذا قريب من العبث ؛ فيترجح ما قاله أبو علي.
وذهب الداودي إلى أن ما قرب من المساجد الفاضلة من المصر فلا بأس بإتيانه مشيا وركوبا ، استدل بمسجد قباء لأن شد الرحال لا يكون لما قرب غالبا ، ونقل عياض أنه إنما يمنع إعمال المطيّ للناذر ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يصح نذر ما سوى المساجد الثلاثة ، ومذهب ليث بن سعد صحة ذلك مطلقا ، وقال بعضهم : يلزم ما لم يكن شد رحل كمسجد قباء وهو قول محمد بن مسلمة المالكي.
وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما سئل عمن جعل على نفسه مشيا إلى مسجد قباء وهو بالمدينة ، فألزمه ذلك ، وأمره أن يمشي ، قال ابن حبيب في الواضحة : فكذلك من نذر أن يمشي إلى مسجده الذي يصلي فيه مكتوبته ، وليس بلازمه فيما نأى عنه من المساجد لا ماشيا ولا راكبا. قال السبكي : هذا كله في قصد المكان لعينه ، أو قصد عبادة فيه تمكن في غيره ، أما قصده بغير نذر لغرض فيه كالزيارة وشبهها فلا يقول أحد فيه بتحريم ولا كراهة ، مع أن السفر بقصد زيارة النبي صلىاللهعليهوسلم غايته مسجد المدينة ؛ لأنها إنما تكون فيه لمجاورته القبر الشريف ، وغرض الزائر التبرك بالحلول في ذلك المحل ، والتسليم على من بذلك القبر الشريف ، وتعظيم من فيه كما لو كان حيا بالحياة المألوفة فسافر إليه ، وليس القصد تعظيم بقعة القبر لعينها.
وقال الماوردي : قال أصحابنا عند ذكر من يلي أمر الحج : فإذا قضى الناس حجهم أمهلهم الأيام التي جرت عادتهم بها ، فإذا رجعوا سار بهم على طريق مدينة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، رعاية لحرمته ، وقياما بحقوق طاعته ، وذلك وإن لم يكن من فروض الحج فهو من مندوبات الشرع المستحبة ، وعبادات الحجيج المستحسنة ، وقال القاضي الحسين : إذا فرغ من الحج فالسنة أن يقف بالملتزم ويدعو ، قال : ثم يأتي المدينة ، ويزور قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. وقال القاضي أبو الطيب : ويستحب أن يزور النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن يحج ويعتمر ، وقال المحاملي في التجريد : ويستحب للحاج إذا فرغ من مكة أن يزور قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتقدم قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه : الأحسن للحاج أن يبدأ بمكة ، فإذا قضى نسكه مر بالمدينة إلى آخره.
والحنفية قالوا : إن زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من أفضل المندوبات