تخصيصا لحالة التبكير بالخروج دون غيرها من الحالات ، وذلك بخلاف قولك : «خرجت إلى عملي مبكرا» لأنك في تقديمك الفعل تكون بالخيار في إيقاعه مقيدا بأي حالة شئت ، بأن تقول : خرجت إلى عملي متأخرا أو مسرعا أو مسرورا أو غير ذلك. وكذلك يجري الأمر في بقية متعلقات الفعل.
* * *
وعلماء البلاغة ومنهم الزمخشري يرون أن تقديم متعلقات الفعل عليه على النحو السابق إنما هو للاختصاص.
ولكن ابن الأثير يرى أن تقديم متعلقات الفعل عليه يكون لواحد من غرضين : أحدهما الاختصاص ، والآخر مراعاة نظم الكلام ، وذاك أن يكون نظمه لا يحسن إلا بالتقديم وإذا أخر المقدم زال ذلك الحسن ، وهذا الوجه عنده أبلغ وأوكد من الاختصاص.
فمن الأول عنده وهو التقديم الذي يكون الغرض البلاغي منه «الاختصاص» قوله تعالى (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). فإنه إنما قيل : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) ولم يقل : «بل اعبد الله» لأن المفعول وهو لفظ الجلالة «الله» إذا تقدم وجب اختصاص العبادة به دون غيره. ولو قال : «بل اعبد» لجاز وقوع فعل العبادة على أي مفعول شاء.
ومن الثاني وهو التقديم الذي يكون الغرض البلاغي منه مراعاة نظم الكلام قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ويرى الزمخشري أن التقديم في هذا الموضوع قصد به الاختصاص ، ولكن ابن الأثير يرى أن المفعول لم يقدم على الفعل للاختصاص وإنما قدم لمكان نظم الكلام ، لأنه لو قال : «نعبدك ونستعينك» لم يكن له ما لقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). ألا ترى أنه تقدم قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ،) فجاء بعد ذلك قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ،) وذلك لمراعاة حسن النظم السجعي الذي هو على حرف النون.