(٢١١ ـ ٢١٧) صرف بابنيانوس من الخدمة لأنّ عاتيا مستبدا مثل كركلّا لا يطيق أن يرى إلى جانبه حارسا دقيقا يحاسبه على كلّ هفوة ، وبعد صرفه بمدّة وجيزة أمر بقطع رأسه سنة ٢١٢ لأنّه انتقد الأمبراطور بعنف عند ما قتل أخاه جيتا. وبالرغم من أنّه قتل وهو بعد في السابعة والثلاثين ، فإنّه ترك للعالم إرثا تشريعيّا أعظم وأغنى من أيّ إرث آخر خلّفه المشترعون الرومان ، فإنّه في عام ٥٣٣ ، عند ما وضعت مجموعة الشرائع المعروفة بشرائع يوستينيان الكبير ، أدخل فيها لا أقلّ من ٥٩٥ مادّة أو بندا من المواد القانونيّة التي خلفها بابينيانوس في مؤلّفاته. ومعلوم أنّ شرائع يوستينيان هي الأساس الذي تقوم عليه أغلب الشرائع الأوروبيّة في عهدنا هذا. وكان خليفة بابنيانوس في التعليم بمعهد الحقوق ببيروت رجلا فاضلا من مواطنيه :دوميتيوس أولبيانوس الصوري الذي ، برعاية تلميذه الأمبرطور اسكندر سفروس اللبناني المولد ، شهر حربا شعواء ضدّ الرذائل والاستغلال ، وقام بتعديل القوانين وإصلاح المجتمع ، وقد قضى شهيدا على أيدي أفراد الحرس الأمبراطوري سنة ٢٢٨ حين حاول أن يسنّ قوانينا تكبح جماحهم في استغلالهم مراكزهم لمصالحهم الشخصيّة. وقد اقتبس المشترعون الذين وضعوا مجموعة قوانين يوستينيان أكثر من ٥٠٠ ، ٢ بندا وفقرة من كتاباته ومؤلّفاته ، ما يشكّل ثلث المجموعة التي في مقدّمتها ذكر لرجل كان أستاذا في معهد الحقوق البيروتي اسمه أنطوليوس ، كان عمله أن يجمع القوانين من هنا وهناك ، وقد مات في زلزال ٥٥٧ في القسطنطينيّة. كما كان المسؤول الأوّل الذي نيط به جمع القوانين لمجموعة يوستينيان أستاذا آخر من أساتذة معهد بيروت اسمه دوروثيوس. فلا عجب والحالة هذه أن يلقّب يوستينيان بيروت بأمّ الشرائع ومرضعتها.