وقد أطنب الكتّاب الأقدمون في مدح بيروت الرومانيّة ، فوصفوا نخيلها وخمرتها الجيدة وأنسجتها ومصانعها. وقد بقيت بيروت راتعة في منازل السعد إلى أن توالت عليها الزلازل في سنوات ٣٤٩ و ٤٩٤ و ٥٠٢ و ٥٤٣ و ٥٥١ لا سيّما في سنة ٥٥٥ إذ دمّرها زلزال هائل خرّب قسما كبيرا من مدن الشرق ، وقضى على كلّ ما تبقّى منها حريق شبّ فيها سنة ٥٦٠ م. أثناء إعادة بنائها ، وقد رثاها محام إغريقيّ من آسية الصغرى معاصر لتلك النكبات بقوله : بيروت ، أجمل المدن ، الدرّة في تاج فينيقية ، فقدت لألأها ورونقها. بناياتها التي تعدّ آيات في فنّ العمارة تداعت وسقطت ولم يبق فيها جدار واقفا. لم يثبت منها سوى الأساسات.
وقد كان لهذه الفاجعة صدى تردّد في جميع أنحاء الأمبراطوريّة ، وقد رثى بيروت أيضا شاعر إغريقيّ معاصر من إسبانيا بشعر تخيّل فيه المدينة تتفجّع نائحة :
ها أنذا ، المدينة التاعسة ، كومة خرائب ، أبنائي أموات. يا للحظّ العاثر المشؤوم. آلهة النار أحرقتني بعد أن هزّت آلهة الزلزال أركاني. يا لتعاستي ، بعد أن كنت مجسم الجمال أصبحت رمادا. هل تبكون عليّ أيّها العابرون الماشون فوق أطلالي؟ هل تسكبون عليّ دمعة حزن؟ هل تأسفون لمجد بيروت؟ بيروت التي لا وجود لها؟ أيّها الملّاح لا تمل بشراعك نحو شاطئي ، لا تنزل شراع مركبك ، فإنّ المرفأ الأمين أصبح أرضا يابسة قفراء ، أصبحت لحدا موحشا ، أمل عنّي ، سر إلى المواني المرحة التي لا تعرف البكاء ، إلى موانيها سر على صوت قرع المجذاف ، هكذا شاء الإله بوسيدون ، إله البحر والزلزال ، وهكذا شاءت الآلهة السمحاء. وداعا يا ملّاحي البحار. وداعا أيّتها القوافل الآتية من وراء الجبال ...