ثمّ صار المسلمون يتكاثرون فيها. فقد أجلى معاوية بعض الروم والموالين لهم عن السواحل ، بما في ذلك بيروت ، وأسكن محلّهم أقواما من أهل بعلبك وحمص وأنطاكية ، وأقام حاميات في نقاط استرتيجيّة ، وعند ما ارتقى معاوية سدّة الخلافة الإسلاميّة جلب إليها قوما من الفرس وأسكنهم فيها مثلما فعل بغيرها من مدن الساحل السوريّ وبعلبك. وقد اشتهر من سكّان بيروت في هذه الحقبة جماعة من العلماء أشهرهم الإمام عبد الرحمن الأوزاعي الذي ولد في بعلبك سنة ٨٨ ه / ٧٠٧ م. ونشأ في البقاع ، فنقلته أمّه إلى بيروت حيث انقطع للزهد والعبادة ، وتوفي سنة ١٧٥ ه / ٧٧٤ م. ودفن في المكان المعروف باسمه في ظاهر المدينة إلى جنوبها الغربي. وكان العرب بعد سيطرتهم على البلاد قد قسّموها في مؤتمر الجابية ، إلى أربع مناطق عسكريّة سمّيت المنطقة منها" جند" ، وكان التقسيم استمرارا لتقسيم الروم للبلاد. أمّا الأجناد الأربعة فكانت فلسطين ، والأردنّ ، ودمشق ، وحمص. وأضيف إليها في زمن يزيد بن معاوية (٦٨٠ ـ ٦٨٣) جند قنّسرين الذي اقتطع من جند حمص. وعلى هذا التقسيم كانت بيروت تابعة لجند دمشق. وقبل أن يصبح معاوية خليفة أدرك أنّه ينبغي له أن ينشئ أسطولا لحماية الشواطئ من غزوات الروم المتكرّرة ، فجهّز أسطولا بحريّا بناه له من خشب الأرز وكان ملّاحوه فينيقيّون لبنانيّون ، اشتركوا مع العرب في مهاجمة قبرص. وفي هذه الحقبة غدا مرفا بيروت مرسى للأسطول العربيّ. ويروي المؤرّخون أنّ بيروت قد خضعت للفاطميّين قبل سقوطها بيد الإفرنج ، فقد جاء أنّها كانت إقطاعه للفاتح عوض الملقّب بمبارك الدولة من قبل الحاكم بأمر الله سنة ٤٠٥ ه / ١٠١٤ م. وكانت إقطاعه لمعزّ الدولة من قبل المستنصر بالله خليفة مصر سنة ٤٤٣ ه / ١٠٥١ م.