السادس عشر ، كانت حالة من الفوضى قد دبّت بالبلاد قاطبة في ظلّ ميل نجم دولة المماليك للأفول. فقلّ الأمان ، وزادت رسوم التصدير والاستيراد كما سائر الضرائب ، فقلّت واردات التجارة ، وانحطّت أحوال المدنية.
بيروت في ظلّ الحكم العثماني
لمّا تغلّب السلطان سليم العثماني الأوّل على المماليك في معركة مرج دابق سنة ١٥١٦ ، دالت دولتهم المماليك ، كانت بيروت لا تزال في عهدة أمراء الغرب التنّوخيين ، وإذ دخلت بيروت وسائر مدن الساحل في نطاق الفاتحين الجدد ، أصبح التنّوخيّون عمّالا للباب العالي ، وبقيت بيروت تابعة لنيابة دمشق. وفي بداية العهد العثماني بقيت بيروت على انحطاطها ، وقد تحوّل الإفرنج بتجارتهم عنها ، فتحولت بيروت إلى قرية صغيرة تسودها الفوضى في ظلّ تجاذب حكمها من قبل الأمراء والمشائخ أصحاب الإقطاع ، فكانت بيروت تميل تارة إلى اليمين وطورا إلى اليسار ، فتضمّها إليها المقاطعة الرابحة. وكان الأمير فخر الدين المعني الأوّل ، أحد أمراء الجبل ، قد اكتسب ثقة السلطان سليم عند دخوله الشام ، فجعل له المقام الأوّل بين أترابه ، وبعد وفاته خلفه إبنه الأمير قرقماز فتسلّم بيروت مدّة ، إلى أن سخطت عليه الدولة فطاردته ، وعادت ولاية المدينة إلى التنوخيّين. وكان للأمراء للعسّافيّين حكّام كسروان مقامهم الرفيع في البلاد ، فأقاموا لهم المباني الفاخرة في عاصمتهم غزير ، وفي بيروت وغيرها. وولّي منهم على بيروت الأمير منصور العسّافي سنة ١٥٧٢ ، فبقي نجمه ساطعا إلى أن إرتفع شأن بني سيفا حكّام طرابلس ، فكان لمدينتهم المقام الأوّل ، وبطشوا بالعسّافيّين وسقطت بيروت في حكمهم إلى أن تألّق في لبنان نجم الأمير فخر الدين المعني الثاني الذي كانت حياته سلسلة انتصارات وجهاد في سبيل إمارته ،