فانتزع بيروت من بني سيفا سنة ١٥٩٨ ، إلّا أنّه أعادها لهم في السنة التالية ، وبقيت في يدهم إلى أن حوّل مراد باشا والي الشام العثماني حكمها إلى الأمير علي بن فخر الدين سنة ١٦٠٧ ، ثمّ انتزعها منه" الحافظ" لمّا كان فخر الدين في توسكانا وولّى عليها حسن إبن سيفا ، فبقيت بيده إلى أن عاد فخر الدين من هجرته فاستولى عليها ، واعاد لها شيئا من نضارتها ، وابتنى فيها الأبنية الجميلة ، ووسّع نطاق تجارتها ، وحافظ على سفن الإفرنج فيها ، وسهّل السبل لتجارتهم ، واتخذ من بيروت مع صيدا ودير القمر قاعدة لكرسي إمارته. واتّسع نطاق ملكه ، وخفقت بنوده الظافرة في سماء البقاع ، وفي الجنوب والشمال. فكان لبنان الكبير ، بحدوده ، وأميره ، وقلوب بنيه ، وآمالهم ، وتفانيهم في سبيل وحدتهم القومية ، وكانت بيروت الجميلة ، عاصمة لتلك البلاد المستقلّة يومذاك. وممّا زاد في تقدّم المدينة في تلك الحقبة وازدهار تجارتها ، الأمان الذي خيّم في عهد الأمير ، والمعاهدات التي عقدتها الدول الغربية مع العثمانيّين ، واختراع البخار. كلّ ذلك مهّد السبل للبواخر الأجنبيّة وأباح لها التنقّل في مرافيء الشرق ، والتردّد إلى ميناء بيروت الأمين. ورصّع فخر الدين المدينة بشيء من نور مجده اللامع ، وجدّد بناء البرج الكشّاف بقربها سنة ١٦٢٠ ، ورفع كامل حصونها بمعاونة المهندسين الإفرنج الذين أرسلهم إليه دوق توسكانا. ومن مآثر فخر الدين في بيروت ، تجديده الغابة الجميلة في ظاهرها. وكان عهد هذا الأمير عهد خير وعزّ وفخر لبيروت وسائر أنحاء لبنان. ومع سقوط هذا الأمير الفذّ في يد الدولة العثمانيّة سنة ١٦٣٣ ، سقطت بيروت إلى ما كانت عليع من قبل ، فضمّت إلى صيدا ، وشكلّت معها أيالة واحدة يديرها حاكم من قبل الدولة العثمانيّة ، ثمّ أصبحت الأيالة في طرابلس والمتسلميّة في بيروت وصيدا ، إلى أن جعلت صيدا باشويّة عهد إليها بمراقبة الجبل سنة ١٦٦٠ وسلخت بيروت عنها ، واصبحت في عهدة ولاة عثمانيّين.