الجزّار قد اتّخذ من مدينة عكّا قاعدة لحكمه ، ضحّى بثغر بيروت في سبيلها ، فغدت المدينة في أيّامه بلدة صغيرة لا يتجاوز عدد سكّانها الستّة آلاف نسمة بعد أن تحوّلت التجارة عنها. لمّا تسلّم كرسي إمارة الأمير الشهابي الكبير سنة ١٧٨٨ كانت له مع الجزّار أيّام جفاء وأيّام صفاء ، إلى أن تمكّن الأمير من بسط سلطانه على المدينة ، فانتعشت تجارتها من جديد بعد رجوع ثقة الغرب وتجارته إليها. وبعد موت الجزّار أعاد الأمير توطيد أركان الإمارة وأعاد للبنان الكبير حدوده فساد الأمن في المدينة وحقّقت خطوة واسعة في سبيل الرقي والعمران. وفي سنة ١٨٠٥ هاجمت المدينة مراكب القرصان وأطلقت عليها مدافعها ، فانحدر إليها الأمير برجاله من رؤوس الجبال وأجلى القرصان عنها. ولمّا فتح ابراهيم باشا المصري بلاد الشام ودخل المدن الساحليّة ، أصبحت بيروت في حكمه منذ سنة ١٨٣١ فجعلها باستلام الأمراء الشهابيّين ، ثمّ اقام عليها متسلّما من قبله. وقد عمل المصريّون على توسيع بيروت فهدموا أسوارها وفتحوا فيها الشوارع العديدة. وبهدف توسيع مرفئها ، هدموا قسما من بقايا المواقع الحربية القديمة ، ومنها القصر الكبير الذي بناه فخر الدين ، وقد بلغ عدد سكّانها يومئذ نحو خمسة عشر ألف نسمة. وقد ساد الأمن فيها وانتعشت إلى حين ، حتّى كانت الحركات الثوريّة ضدّ الأمير بشير والحكم المصري التي عرفت بالعاميّات. وفي سنة ١٨٤٠ تحالف معظم الدول مع العثمانيّين ضدّ المصريّين الذين تعصّب الأمير بشير في استمرار ولائه لهم. وقد هاجم الثوّار المدينة وحاصروها ، واخترقوا أسوارها رغم من أنّ مدافع المصريّين كانت تمطرهم القنابل برّا وبحرا. ثمّ اجتمعت مراكب الدول المتّحدة في ميناء المدينة ، وضربت حصونها ثلاثة أيام متوالية ، فهرب المصريّون منها ، ولجأ سكّانها إلى الجبال القريبة ، فانهار حصن بيروت وسقطت أبراج المدينة وتحصيناتها بالكامل ، وانهار معها حكم الأمير بشير ،