الذين إشتهروا في القرن الرابع للمسيح ، كتب ثماني واربعين قصيدة وصف بها أخبار الإله باخوس ، وفي قصيدته الثانية والأربعين قد كرّر مرارا ذكر غابة صنوبر بيروت ، فقال : إنّ الإله باخوس ضاع مع آلهة الاولمب في قلب تلك الغابة الكثيفة. وقال جورج يزبك في محاضرة القاها في بيروت سنة ١٩٢٣ : قد نسب البعض تحريج تلك الغابة لفخر الدين ، ونسبها غيرهم لإبراهيم باشا قائد المصريين ، مع أنّها وجدت قديما في أيّام الصليبيّين والعرب والرومان. ولم تسلم الغابة من ضربات التّاريخ ونكباته. فمؤرّخ الحروب الصليبيّة" غاليدموس" أورد أنّ الصليبيّين لمّا حاصروا بيروت أوائل القرن الثّاني عشر ، أعدموا الصنوبرات العملاقة بمناشيرهم وصنعوا من أخشابها أدوات للحرب. ويعود لتلك الغابة الفضل بصدّ الرمال عن المدينة في أدوار حياتها المجيدة. وهذا ما دعا القوم للمحافظة عليها وتجديدها في كلّ تلك العهود ... أمّا الكاتب والجغرافي الشهير المعروف بالشريف الإدريسي المتوفي سنة ٥٧٥ ه / ١١٨٠ م. فقد وصف غابة بيروت في القرن الثاني عشر في كتابه" نزهة المشتاق في أخبار الآفاق" بيروت بأنّ لها غيضة من أشجار الصنوبر سعتها إثنا عشر ميلا في التكسير تتصل إلى تحت لبنان. وجاء في كتاب معاصره غليلموس الصوري أنّ الصليبيّين لمّا حاولوا محاصرة مدينة بيروت عمدوا إلى هذه الغابة فقطعوا منها الأخشاب اللّازمة لتجهيز المجانيق وادوات الحرب. وروى صاحب تاريخ بيروت صالح بن يحيى أنّ الأمير الكبير يلبغا العمري تقدّم في سنة ٧٦٧ ه / ١٣٦٧ م. إلى الأمير بيدمر الخوارزمي بالتوجه إلى بيروت ليعمّر من غابتها مراكب كثيرة. كما رأى غابة بيروت بعد صالح بن يحيى أحد الزوّار الألمان سنة ١٤١١ وذكر أنّ مساحتها كانت نحو ميلين ، ومن شأن هذا أنّ يدلّ على أنّ الغابة كانت قد صغرت كثيرا غير أنّها كانت لا تزال معروفة إلى ذلك العهد. ذلك