سألها عن سرّ قلقها من سكنى الوالي بجوارها قالت : " الحشيش بين الجمّيز ما بيعيش" فذهبت مثلا ، ومعروف أنّ الجمّيز شجر عملاق يمنع الأعشاب من النبت تحت أغصانه. على أيّ حال ، فإنّ حيّ زقاق البلاط سرعان ما امتاز بطابع أرستقراطي إذ شمخت فيه قصور بعض الأسر الوجيهة ، وحولها بيوت متواضعة لأفراد ينتمون عصبيّة أو استخداما إلى أرباب تلك القصور ، وامتاز الحيّ على الأخصّ بأنّه مبعث إشعاع العلم والمعرفة في جميع أنحاء الشرق إطلاقا ، إذ قامت فيه" المدرسة الوطنيّة" لمؤسّسها المعلّم بطرس البستاني ١٨٦٣ ، ومدرسة المرسلين الأميركيّين ، وهي الكليّة السوريّة الإنجيليّة التي ستصبح لاحقا" الجامعة الأميركيّة" في راس بيروت ، وبقرب المدرسة الوطنيّة إلى الغرب قامت مدرسة راهبات الناصرة التي نقلت لاحقا إلى غرب الأشرفيّة ، وإلى الغرب منها مدرسة مار يوسف الظهور ، وقريبا من زقاق البلاط إلى الشرق المدرسة البطريركيّة. ومن أهمّ القصور التاريخيّة في زقاق البلاط القصر الذي بناه يوسف جدي ، وقد وصفه الشيخ ابراهيم اليازجي بأنّه" أجمل دار في الأقطار الشاميّة" ، ويرجّح أنّ قسما من ذلك القصر قد أصبح مقرّا لمدرسة راهبات مار يوسف الظهور ، وقد سكن هذا القصر فرنكو باشا وواصا باشا متصرّفا جبل لبنان وماتا فيه ، ذلك أنّ فرنكو سكن الطبقة الأرضيّة وواصا الطبقة العلويّة. أمّا الأسر التي عمّرت زقاق البلاط فكثيرة من مختلف المذاهب ، وكان منها اثنتان تتنافسان على الحكم والزعامة ، إحداهما أسرة بيهم المتفرّعة من آل العيتاني ، والثانية أسرة حمادة السنيّة المصريّة الأصل المتحدّرة من عبد الفتّاح حمادة والي بيروت الذي ذكرناه أعلاه.