وأما" ما دام" فإنّ" دام" و" ما فتيء" واحد ، فلا يجوز أن يتقدم (ما) شيء عمل فيه" دام" ؛ لأنّ دام صلة لما ، ولا يفّرّق بين (ما) وبينها ، كما لا يفرّق بين (أن) الخفيفة والفعل ، فلا يقال : " آتيك قائما ما دام زيد".
وأما" ليس" فإن الذي يدلّ عليه قول سيبويه في باب سأقفك عليه ، إذا انتهينا إليه أن تقديم الخبر عليها جائز ، فتقول : " قائما ليس زيد". وبعض النحويين يأباه ولا خلاف بينهم في جواز تقديم الخبر على الاسم بعد ليس ، كقولك : " ليس قائما زيد".
قال سيبويه : " وحال التقديم والتأخير فيه كحاله في : ضرب إلا أنّ اسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد".
يعني تقديم الخبر على الاسم في" كان" كتقديم المفعول في" ضرب" إلا أنّ الاسم المرفوع والمنصوب في كان لشيء واحد ، وفي ضرب لشيئين.
قال سيبويه : " وتقول : كناهم ، كما تقول : ضربناهم. وتقول : إذا لم نكنهم ، فمن ذا يكونهم ، كما تقول : إذا لم نضربهم ، فمن ذا يضربهم".
أراد الدلالة على أن كان وأخواتها أفعال ؛ لاتصال الفاعلين بها ووقوعها على المفعولين ، كما يكون ذلك في ضربناهم.
وقوله : " إذا لم نكنهم" يكون على وجهين ؛ أحدهما : إذا لم نشبههم ، ألا ترى أنّك تقول : " أنت زيد" ، في معنى : مشبه له.
والوجه الآخر : أن يقول قائل : من كان الذين رأيتهم أمس في مكان كذا وكذا ، فيقول المجيب : " نحن كنّاهم" إذا كان السائل قد رآهم ، ولم يعلم أنهم المخاطبون. قال أبو الأسود الدؤلي :
فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه |
|
أخوها غذّته أمّه بلبانها (١) |
فجعل" يكون" فعلا واقعا على الضّمير ، وفيه ضمير فاعل ، وإنما يصف الزّبيب والخمر وقبل هذا البيت :
دع الخمر تشربها الغواة فإنّني |
|
رأيت أخاها مغنيا لمكانها |
يعني بأخيها الزّبيب. ثم قال : " فإن لا يكنها" يعني إن لا يكن الزّبيب الخمر
__________________
(١) البيت في ديوانه ص ٨٢ ، ولسان العرب (كون) ، والخزانة ٢ / ٤٢٦.