من قبل ، وإنما هي خشّع لموته فكأنه قال : تواضعت الجبال الخشّع لموته ، كما قال رؤبة :
والسّبّ تخريق الأديم الألخن (١)
ولم يقل" الأمتن" فيكون أبلغ على ما ذكرنا ، ولكنه أراد الألخن بالسّبّ.
وقال ذو الرمة :
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت |
|
أعاليها مرّ الرّياح النّواسم (٢) |
فأنّث والفعل للمرّ ؛ لأنه لو قال : تسفّهت أعاليها الرياح ، لجاز.
وقال العجّاج :
طول الّليالي أسرعت في نقضي |
|
أخذن بعضي وتركن بعضي (٣) |
فأنث" أسرعت" ؛ لأنه لو قال : الليالي أسرعت في نقضي ، لجاز.
قال سيبويه : " وسمعنا من العرب من يقول ممن يوثق : اجتمعت أهل اليمامة ؛ لأنّه يقول في كلامه : اجتمعت اليمامة ، والمعنى ، أهل اليمامة ، فأنّث الفعل إذ جعله في اللّفظ لليمامة ، فترك اللفظ على ما كان يكون عليه في سعة الكلام".
يعني ترك لفظ التأنيث في قولك : اجتمعت أهل اليمامة على قوله : اجتمعت اليمامة. وقال الفراء : لو كنّيت عن المؤنّث في هذا الباب لم يجز تأنيث فعل المذكّر الذي أضيف إليه ، لو قلت إن الرّياح آذتنى هبوبها ، لم يجز أن تؤنث" آذتنى" إذا جعلت الفعل للهبوب. واحتج بأنّا إذا قلنا : " آذتني هبوب الرّياح" فكأنّا قلنا : " آذتني الرياح" وجعلنا الهبوب لغوا وإذا قلنا : " آذتني هبوبها" لم يصلح أن يجعل الهبوب لغوا ، ؛ لأنّ الكناية لا تقول بنفسها ، فتجعل الهبوب لغوا.
والصحيح عندنا جوازه ، وذلك أنّ التأنيث الذي ذكرناه ، إنما أجزناه ؛ لأنه تجوز العبارة عنه ، بلفظ المؤنث المضاف إليها ، لا لأنه لغو ، وقد تجوز العبارة بلفظ المؤنث عن لفظ المذكّر ، وإن كان لفظها مكنيا ، ألا ترى أنّا نقول : إن الرّياح آذتني ، وإن أصابعي ذهبت ، وأنّا نريد البعض والهبوب.
__________________
(١) البيت في ديوانه ١٦٠ ، واللسان (لخن).
(٢) البيت في ديوانه ٦١٦ ، وسيبويه ١ / ٢٥ ، والخزانة ٢ / ١٦٩ ، واللسان (سفه).
(٣) البيت في ملحق ديوانه ٨٠ ، والخزانة ٢ / ٦٨.