انظر إلى أمر فئة زعموا الإيمان بالنبي محمد وبالأنبياء قبله وبما أنزل إليهم من الكتب ، وشأن الإيمان الصحيح بكتب الله ورسله العمل بما شرعه الله على ألسنة الرسل ، فإذا تخطوا ذلك كانوا غير مؤمنين في الواقع.
هؤلاء المنافقون إذ لم يقبلوا التحاكم إلى النبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، وتحاكموا إلى الطاغوت والضلال من الكهنة كأبي برزة الأسلمي ، أو اليهود مثل كعب بن الأشرف الذي سمي طاغوتا لإفراطه في الطغيان وعداوة النبي صلىاللهعليهوسلم والتأليب عليه والبعد عن الحق ، مع أنهم أمروا في القرآن أن يكفروا بالطاغوت ويجتنبوه ، إنهم إذ لم يقبلوا ذلك ، دل على عدم إيمانهم ، فألسنتهم تدعي الإيمان بالله وبما أنزله على رسوله ، وأفعالهم تدل على الكفر بهما ، وإيمانهم بالطاغوت وإيثارهم حكمه ، وهذا دليل الخروج عن الإسلام.
ومن أوامر القرآن بالكفر بالطاغوت قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل ١٦ / ٣٦] وقوله : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ، وَيُؤْمِنْ بِاللهِ ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) [البقرة ٢ / ٢٥٦].
وهم بفعلهم ذلك كانوا تلامذة الشيطان ، ويريد الشيطان أن يضلهم ويبعدهم عن الحق مسافة بعيدة ، حتى لا يهتدوا إلى طريق الحق أصلا.
والدليل على ذلك أنه إذا قيل لأولئك الزاعمين الإيمان : تعالوا نحتكم إلى ما أنزل الله في القرآن وإلى الرسول ، فهو الصراط القويم ، رأيت هؤلاء المنافقين يعرضون عنك يا محمد وعن دعوتك ، ويرغبون عن حكمك ، بكل إصرار وعناد وتعمد للصدود. وهذه الآية مؤكدة لما سبق من تحاكمهم إلى الطاغوت وأصحاب الأهواء والجهلة ، فمن أعرض عن حكم الله متعمدا ، كان منافقا بلا شك.
وكيف يكون حال هؤلاء المنافقين إذا أطلعك الله على شأنهم في إعراضهم عن حكم الله وعن التحاكم إليك ، ووقعوا في مصاب أو عقوبة بسبب ذنوبهم وما قدمت