ومهر الحرّة يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة ، فلكلّ شخص وبيئة ما يناسبهما عرفا ، فقد يقدر الرجل على مهر الحرّة ، ولكن النساء تنفر منه لسوء خلقه أو خلقه ، وقد يعجز عن القيام بحقوق الحرّة من النفقة والمساواة بينها وبين غيرها ، وليس للأمة مثل هذه الحقوق.
وقدّر الحنفية المهر بربع دينار (ثلاثة دراهم) ، وقال بعضهم : عشرة دراهم. ولا أجد لهذا التحديد مستندا في الأدلة الشرعية ، وإنما الثابت في السّنة أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال لمن يريد الزواج : «التمس ولو خاتما من حديد» (١). وتزوّج بعض الصحابة على تعليم امرأته شيئا من القرآن.
وإنما اشترط التشرع هذه الشروط في نكاح الإماء تفاديا لما يشتمل عليه من أضرار ، أهمها صيرورة الولد رقيقا ؛ لأن الولد يتبع الأم في الرّق والحرية ، لذا قال الله تعالى في آخر الآية : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ).
وذهب أبو حنيفة إلى جواز نكاح الأمة لمن لم يكن عنده حرّة ، سواء أكان واجدا مهر الحرّة أم لا ، وسواء أخشي العنت أم لا ، وسواء أكانت الأمة مسلمة أم لا ، عملا بالعمومات الكثيرة ، كقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء ٤ / ٣] ، وقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) [النور ٢٤ / ٣٢] ، وقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [النساء ٤ / ٢٤] ، وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة ٥ / ٥] ، وجميع ذلك يتناول الإماء والكتابيّات.
ولم يشرط فيه عدم الطّول ولا خوف العنت ، وهذه الآية لا تصلح لتخصيص العمومات السابقة ؛ لأنها أولا تدلّ على الشروط بمفهوم الشرط ومفهوم الصفة ، وهما ليسا بحجة عند أبي حنيفة رحمهالله. وثانيا على تقدير الحجية يكون
__________________
(١) متفق عليه بين أحمد والشيخين عن سهل بن سعد.