مقتضى المفهومين عدم الإباحة إذا اختلّ الشرط أو عدمت الصفة ، وعدم الإباحة أعم من ثبوت الحرمة أو الكراهة ، فيجوز أن يكون المراد ثبوت الكراهة عند فقدان الشرط ، كما يجوز ثبوت الحرمة ، ولكن الكراهة أقلّ في مخالفة العمومات فتعينت. وأما قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) فليس بشرط ، وإنما هو إرشاد للإصلاح لعموم مقتضى الآيات.
وأجاب الشافعية : بأن هذه العمومات لا تعارض هذه الآية ، إلا معارضة العام للخاص ، والخاص مقدّم على العام. والحنفية خصصوا عموم الآيات فيمن لم يكن عنده حرّة ، صونا للولد عن الإرقاق ، وهذا المعنى يقتضي التخصيص أيضا بما إذا لم يكن لديه مهر الحرة ، وخاف العنت. ثم إن الآية أباحت نكاح الأمة لضرورة من خشي العنت وفقد مهر الحرّة ، بشرط كون الأمة مسلمة ، وفيما عدا ذلك يرجع إلى الأصل وهو المنع من النكاح.
وأما معنى قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) فهو أنكم أيها المؤمنون مكلّفون بظواهر الأمور والله يتولى السرائر ، فاعملوا على الظاهر في الإيمان ، والإيمان الظاهر في الأمة كاف ، ولا يشترط العلم بالإيمان يقينا ؛ إذ لا سبيل لكم إليه. وأنتم مع الإماء إما من جنس واحد وهو البشرية والرجوع إلى أصل واحد وهو آدم ، وإما أنكم مشتركون مع الإماء في الإيمان ، والإيمان أعظم الفضائل فلا تأنفوا نكاح الإماء عند الضرورة. وهذا رفع من شأن الإماء وتسوية بينهن وبين الحرائر.
ثم أعاد الله تعالى الأمر بنكاح الإماء لزيادة الترغيب ، وجعل نكاحهن مثل الحرائر بكونه بإذن أي رضا أهلهنّ ، والأهل : المولى ، أو المالك لهن ؛ لأن الإيمان رفع من قدرهن.
واتفق الفقهاء على أن نكاح الأمة والعبد مشروط بإذن السيّد ، لهذه الآية