السلام ورحمة الله وبركاته» ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال له : «وعليك» فقال له الرجل : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان ، فسلما عليك ، فرددت عليهما أكثر مما رددت علي ، فقال : «إنك لم تدع لنا شيئا» قال الله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ، فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) فرددناها عليك».
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) أي يحاسبكم على كل شيء من التحية وغيرها ، وهذا تأكيد لإشاعة السلام ووجوب رد التحية على من سلّم. روى أبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم».
ثم بيّن الله تعالى أنهم مجزيون على التحية والجهاد وأعمال الخير والشفاعة ، فقرر أن المرجع والمصير إلى الله الواحد الأحد ، وأن البعث والجزاء في الدار الآخرة ثابت. وهذه الآية تقرر ركنين أساسيين للدين وهما : إثبات التوحيد وإخباره تعالى بتفرده بالألوهية لجميع المخلوقات بقوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). وإثبات البعث والجزاء في الآخرة بالقسم الذي أقسمه : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)(١)(لا رَيْبَ فِيهِ) أي أنه سيجمع الأولين والآخرين في الموت وتحت الأرض ثم يبعثهم في صعيد واحد ، فيجازي كل عامل بعمله. وقد نزلت في الذين شكوا في البعث ، فأقسم الله تعالى بنفسه.
وقوله : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) معناه : لا أحد أصدق منه عز
__________________
(١) سميت القيامة ؛ لأن الناس يقومون فيه لرب العالمين جل وعز ، قال الله تعالى : أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين ٨٣ / ٤ ـ ٥]. وقيل : لأن الناس يقومون من قبورهم إليها : يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [المعارج ٧٠ / ٤٣].