٢ ـ إيمان الأمة المتزوج بها : لقوله تعالى : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) أي من مملوكاتكم المؤمنات. وفيه إشارة إلى خطاب المملوك بالفتى ، والمملوكة بالفتاة ، وفي الحديث الصحيح : «لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمتي ، ولكن ليقل : فتاي وفتاتي».
فلا يجوز التزوّج بالأمة الكتابية ، وهو رأي الجمهور ، وقال الحنفية : نكاح الأمة الكتابية جائز ؛ لأن قوله : (الْمُؤْمِناتِ) على جهة الوصف الفاضل وليس بشرط ألا يجوز غيرها ، مثل قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) [النساء ٤ / ٣] فإن خاف ألا يعدل فتزوّج أكثر من واحدة جاز ، ولكن الأفضل ألا يتزوّج ؛ فكذلك هنا الأفضل ألا يتزوّج إلا مؤمنة ، ولو تزوّج غير المؤمنة جاز ، واحتجّوا بالقياس على الحرائر ؛ لأنه لما لم يمنع قوله : (الْمُؤْمِناتِ) في الحرائر في مطلع الآية من نكاح الكتابيات ، فكذلك لا يمنع قوله : (الْمُؤْمِناتِ) في الإماء من نكاح الإماء الكتابيات.
٣ ـ سعة علم الله تعالى ورفع الحرج عن نكاح الإماء : دلّ قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) على أن الله عليم ببواطن الأمور ، ولكم ظواهرها ، وكلكم بنو آدم ، وأكرمكم عند الله أتقاكم ، فلا تستنكفوا من التزوّج بالإماء عند الضرورة ، وإن كانت حديثة عهد بسباء ، أو كانت خرساء وما أشبه ذلك ، ففي اللفظ إيماء على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض الحرائر.
ويؤكد ذلك قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي أنتم من جنس واحد وإنكم بنو آدم ، أو أنتم مؤمنون. والمقصود بهذا الكلام توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة وتعيّره وتسمّيه الهجين (١) ، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له.
__________________
(١) الهجين : الذي أبوه عربي وأمه أمة غير محصنة. وقال المبرد : ولد العربي من غير العربية.