أي إنه تعالى كثير المغفرة لمن استغفره ، واسع الرحمة لمن استرحمه.
ولا تجادل يا محمد عن هؤلاء الذين يخونون أنفسهم بتعديهم على حقوق الغير ، وسمى خيانة غيرهم خيانة لأنفسهم ؛ لأن ضررها عائد إليهم ، أي لا تدافع عن هؤلاء الخونة ، ولا تساعدهم عند التخاصم.
إن الله يبغض كثير الخيانة معتاد الإثم أي ارتكاب الذنب واجتراح السيئة ، ويحب أي يثيب أهل الأمانة والاستقامة. وجاء الكلام بصيغة المبالغة ، لعلم الله بإفراط طعمة في الخيانة وركوب المآثم.
وعبر بقوله : (لِلْخائِنِينَ) و (يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) مع أن السارق طعمة وحده ؛ لوجهين : أحدهما ـ أن بني ظفر قومه شهدوا له بالبراءة ونصروه ، فكانوا شركاء له في الإثم. والثاني ـ أنه جمع ليتناول طعمة وكل من خان خيانته ، فلا تخاصم لخائن قط ولا تجادل عنه (١).
ثم بيّن الله تعالى أحوال الخائنين وخصالهم المنكرة ، فقال : إن شأن هؤلاء الخائنين أنهم يستترون من الناس عند ارتكاب الجريمة إما حياء وإما خوفا ، ولا يستترون ولا يستحيون من الله عالم الغيب والشهادة ، الذي هو معهم أي عالم بهم مطلع عليهم ، لا يخفى عليه خاف من سرهم ، إذ يدبرون ويزورون ما لا يرضى الله من القول ، وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد اليهودي ، ليسرق دونه ، ويحلف بالبراءة.
وكان الله محيطا بأعمالهم ، حافظا لها ، فلا أمل في نجاتهم من عقابه. قال الزمخشري : وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء ، والخشية من ربهم ، مع علمهم إن كانوا مؤمنين أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة (٢).
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٤٢٣
(٢) المرجع والمكان السابق.