ثم حذر الله المؤمنين من معاونة الخونة أو التعاطف معهم فقال : يا من جادلتم عن الخوانين ، وحاولتم تبرئتهم في الدنيا ، من يجادل الله عنهم يوم القيامة ، حين يكون الحاكم هو الله تعالى المحيط بأعمالهم وأحوالهم ، ومن يجرأ أن يكون عنهم وكيلا بالخصومة (محاميا)؟ فعلى المؤمنين مراقبة الله والاستعداد للجواب في ذلك الموقف الرهيب أمام الله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار ٨٢ / ١٩].
وبعبارة أخرى : هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وقومه في الدنيا ، فمن يخاصم عنهم في الآخرة ، إذا أخذهم الله بعذابه ، ومن هو المستعد أن يكون عنهم وكيلا أي حافظا ومحاميا من بأس الله وانتقامه؟
وفي هذا توبيخ وتقريع لمن أرادوا مساعدة طعمة على اليهودي ، وفيه دلالة أيضا على أن حكم الحاكم ينفذ في الظاهر فقط ، لا في الباطن ، أي لا يحل للمحكوم له الحرام ، ولا يجيز له أن يأخذ شيئا علم أنه لا حق له فيه.
ثم رغب الله تعالى في التوبة فقال : ومن يعمل ذنبا قبيحا يسوء به غيره ، أو يظلم نفسه بمعصية كالحلف الكاذب ، ثم يطلب من الله المغفرة على ذنبه ، يجد الله غفورا للذنوب ، رحيما بأهل العيوب ، تفضلا منه وإحسانا.
وفي ذلك ترغيب لطعمة وقومه بالتوبة والاستغفار ، وبيان للمخرج من الذنب ، وتحذير لأعداء الحق الذين يحاولون طمس الحقائق وهدم صرح العدل.
ثم حذر الله تعالى من ارتكاب الذنوب والمعاصي بنحو عام فقال : ومن يرتكب ما يوجب الإثم من المعاصي ، فإن إجرامه وعمله وبال على نفسه وضرر على شخصه ، لا يتعدى إلى غيره ؛ لأنه هو الذي يعاقب على فعله. وكان الله تعالى وما يزال واسع العلم بأفعال الناس ، فشرع لهم ما يمنعهم عن تجاوز شرائعه ، وهو أيضا عظيم الحكمة بتشريعه العقاب لمرتكب الإثم.